روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    فــن القضـــاء بقلم زياد حمـــادي‏ المحامى

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    فــن القضـــاء بقلم  زياد حمـــادي‏  المحامى Empty فــن القضـــاء بقلم زياد حمـــادي‏ المحامى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الجمعة سبتمبر 18, 2009 1:08 am

    كان شخصان يسيران في البادية ، وبحوزة احدهما ثلاثة أرغفة من الخبز ، وبحوزة الآخر خمسة أرغفة ، وعندما جلسا لتناول الطعام ، حضر إليهما إعرابي وشاركهما فيه، وبعد أن شبع الإعرابي شكر مضيفاه ثم قدم لهما صرة فيها ثمانية دراهم قال لهما هذه لقاء إطعامكما لي ، فاختلف الرجلان في قسمة

    المبلغ ، فقال صاحب الأرغفة الثلاثة لنقتسم المبلغ مناصفة ، بحيث يصيب كل منا أربعة دراهم ، وقال الأخر بل لنقتسم المبلغ بحسب عدد الأرغفة التي كانت بحوزة كل منا ، فيكون لي خمسة دراهم ويكون لك ثلاث ، وهكذا لم يسفر الأمر على أي اتفاق 0 ذهب الرجلان إلى الخليفة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ورويا له الرواية ، وقالا له مار أيك ياأقضى القضاة ، أي الرأيين اعدل وأصوب واقرب إلى الحق ؟ فأجاب الخليفة قائلا : لارأيك ولا رأيه يحققا العدالة 000 فنظر الرجلان إلى بعضهما بدهشة وذهول ولسان حالهما يقول : وهل هناك حل ثالث للمسألة غير الحلين المطروحين ؟ ثم قالا إننا نريد رأيك أنت ولو انه جاء مخالفا لرأينا 0 فقال القاضي : انتم الثلاثة تناولتم ثمانية أرغفة ، ونتيجة القسمة يكون كل واحد منكم قد أكل ثلاثة أرغفة إلا ثلث ، فصاحب الأرغفة الثلاث يكون قد خسر( ثلث رغيف فقط ) ، أما صاحب الأرغفة الخمسة يكون قد خسر ( رغيفين وثلث ) وهي تساوي سبعة أثلاث 0 وبالتالي فان القسمة العادلة بينكما تكون درهما واحدا لصاحب الثلاث أرغفة ، الذي خسر ثلثا واحدا ، وسبعة دراهم لصاحب الخمسة أرغفة ، الذي خسر سبعة أثلاث ، أي أن التوزيع يكون بنسبة الخسارة التي تكبدها كل منكما 0 إن الذي أثار دهشة المتقاضين ، إن القاضي اصدر حكمه من غير انتظار، أو تفكير وتدقيق في المسألة ، وعند التلفظ بها كان كمن يقرأ الفاتحة 0 رغم أنها مسألة حسابيه تحتاج إلى أناة وتروي ومزيدا من التدبر ، والتفكير 0 إن هذه القاعدة التي اتبعها الخليفة العادل في حكمه مازالت حتى يومنا هذا ، قائمة ومتبعة أمام القضاء ، وهي تقول ( الغنم بالغرم ، أو الغرم بالغنم ) أي أن الربح يكون بمقدار الخسارة ، وهي صالحة للتطبيق في كل مجالات الحياة ، في القضايا التجارية ، والشركات ، والتعهدات ، والاتفاقات 0 إلا أننا وسط زحمة النصوص القانونية والاجتهادات القضائية غالبا مانغفل عنها ، بسبب الكسل الفكري ، والاسترخاء الذهني ، والاتكالية على الحلول الجاهزة ، المطروحة في الفقه والاجتهاد ، هذه الإتكالية ، حجبت عنا ميزة الإبداع ، التي كان ينعم بها أجدادنا ، الذين فتحوا العالم بعبقريتهم الخالدة ، خلود التاريخ ، والذين كانوا يعتبرون ، إن لكل قضيه ظروفها الخاصة ووقائعها المختلفة ، وأناسها الذين يتعاطون معها ، فلا بد من التفاوت والمغايرة بين قضيه وأخرى مهما بدا التطابق قائما بينها 0 كم كان أجدادنا عظماء ، وكم كانوا متقدي الذهن ، وحاضري البديهة ، وواسعي الأفق 000 هل نحن قادرون على مجاراتهم ، أو على الأقل مقاربتهم؟ لابد لكي ننهض من أن نماثلهم في أعمالهم ، وأخلاقهم ، وانجازاتهم العظيمة 0000فالقضايا يطول النظر فيها عندنا أحيانا سنين وسنين ، وقد تصدر فيها الأحكام بعد انتظار طويل وطويل ، والمصيبة بعد كل هذه الطولة والانتظار قد يكون الحكم خاطئا يجافي ابسط قواعد العدالة والمنطق ، وهنا تكمن خيبتنا وبعض أزمتنا ، وسر تقهقرنا ، وتراجعنا 0‏


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 7:37 am