واجهت
الفضائيات الخاصة انتقادات تصاعدت حدتها بشكل خاص بعد أن بدا بوضوح خلال
الفترة الماضية توظيفها كرأس حربة في معارك سياسية لصالح أطراف بعينهم خدمة
لتوجهاتهم الفكرية والسياسية في آن معًا في محاولة لاستقطاب المصريين،
وبرز ذلك بوضوح في معركة التعديلات الدستورية، وعملت على إضفاء "الحصانة"
على أسماء محسوبة على النظام السابق، لمساعدته على الإفلات من العقاب،
وكانت خاصة لرجال الأعمال ملاك هذه الفضائيات بمثابة "طوق نجاة"، للحيلولة
دون محاسبتهم على مخالفات منسوبة فيما يتعلق بالمال العام، والمتاجرة في
أراضي الدولة بعد تسقيعها والحصول على رخص مشاريع ضخمة بأسعار بخسة.
كما
واجهت تلك الفضائيات انتقادات لتبنيها – كما يرى منتقدوها- لأجندات طائفية
وصفوها بـ "المشبوهة"، و"ركوب الموجة" عبر التظاهر بمظهر دعم الثورة، على
الرغم من أنها كانت تقف في الاتجاه المضاد لها، ولم تؤيدها إلا بعد تنحي
الرئيس حسني مبارك عن السلطة في 11 فبراير، الأمر الذي دفع بعدد من
السياسيين والإعلاميين إلى المطالبة باتخاذ وقفة جدية تجاه حالة الفوضى
الإعلامية الراهنة، والتعامل بجدية مع تحديات الوطن بعيدًا عن أجندة طائفية
أو مصالح خاصة.
واعتبر مجدي أحمد حسين، الأمين العام لحزب "العمل"،
المنسق العام لحركة "كفاية" أن "تطهير" الإعلام الخاص، وإلزامه بالموضوعية
صار ضروريًا، في ظل "حملة غسيل المخ التي يقودها، وعمله على دعم الثورة
المضادة، من خلال فتح أبوابها لأذناب النظام السابقة، للعودة والظهور
الإعلامي، وكأنها بذلك- الفضائيات والصحف- تضمر العداء للثورة"، بحسب قوله.
واتهم
الفضائيات الخاصة المملوكة لرجال الأعمال بأنها تشارك في حملة نشر
الشائعات، وقال إن حديثها – على سبيل المثمال- عن اجتماع جمال مبارك نجل
الرئيس السابق مع سدنة النظام السابق بأحد نوادي العاصمة يشيع أجواء من
الإحباط بين الناس ويثير مخاوفهم، فضلاً عن تركيزها بشكل أساسي على الفوضى
الأمنية وكأنها تترحم علي أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وقال
حسين إن هناك ضرورة لتطهير الإعلام الخاص والفضائيات المملوكة لرجال
الأعمال التي حارب بعضها الثورة، قبل أن يقفز من مركب السلطة بعد اكتشافها
غرقها ليتحولوا إلى عرابين لها من أجل إنقاذ مصالحهم، بل أنهم يحاولون
إشاعة أجواء إحباط ليتمكنوا من الإفلات من أي عقاب.
ووصف حسين الذي
عوقب بالحبس في قضية نشر إبان النظام السابق، الإعلام بأنه أخطر من الشرطة
والقوات المسلحة، لأنه يقود معركة كسب العقول والقلوب، وهو الذي يحدد وجهة
المجتمع، ولذلك فلابد أن يكون فى أيد أمينة من أبناء الثورة الذين لم
يتلوثوا بخطيئة العبادة في محراب الشيطان المخلوع، على حد تعبيره.
في
حين اتهم الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، هذه
الفضائيات بأنها تدخلت بشكل سافر لتحديد وجهة المقترع المصري على التعديلات
الدستورية، حيث عملت على إرسال إشارات بتوجه الرأي نحو وجهة محددة،
والتركيز علي إيجابيات رفض التعديلات الدستورية، وارتكبت نفس الخطأ الذي
ارتكبه من قاموا بحشد الرأي العام للتصويت عليها بـ "نعم".
وقال إن
"موقف هذه القنوات من قضية مكافحة الفساد غير واضح حتى الآن، فهي لم تعط
الأمر الاهتمام الكافي ولا حتى بالقدر الذي كانت تبرزه إبان النظام السابق،
مما يعكس سيطرة أجندة مصالح بعينها"، مطالبا بإيجاد إعلام مواز وتطوير
الإعلام الرسمي للتصدي لهيمنة الإعلام الخاص بصحافته وفضائياته.
لكنه لم يشأ التعليق على أن امتلاك مجموعة من رجال الإعلام لقنوات فضائية
أسهم في إفلاتهم من المحاسبة خلال الفترة الأخيرة، وقال إنهم نجحوا في
الظهور بمظهر من أيدوا الثورة رغم أن فضائياتهم وصحفهم استخدمت لوقت طويل
في تحسين صورة النظام السابق، مشددا على أهمية "تطهير" الإعلام الخاص
والفضائي، وتحديد وجهته وفق أجندة وطنية حتى لا يكون أداة لهدم الثورة.
بدوره،
قال طارق عبد اللطيف الخبير الإعلامي، إن القنوات الخاصة تقوم على إجراء
عملية مسح لذهن المواطن المصري وخداع الرأي، وأشار إلى إنها عملت قبل
الاستفتاء على التعديلات الدستورية على إظهار أن الاتجاه الغالب داخل مصر
هو معارضة التعديلات فيما ظهرت النتيجة بعكس ذلك، مما يوحي بأنها كانت تروج
لأجندة مصالح خاصة بمالكيها فقط دون رصد الواقع المصري بشكل ثابت.
واتهم
هذه الفضائيات بأنها تستخدم في غسل أدمغة الشعب المصري، ومحاولة صرف
أنظاره عن القضايا ذات الأولوية، متسائلا: ما الداعي لفتح قضية مرشحي
الرئاسة واستضافتهم فى لقاءات مطولة، وما يحمله ذلك من مجال لتفريق كلمة
أنصار الثورة بين هذا أو ذاك من المرشحين بالرغم من أن هذا الاستحقاق موعده
بعد ستة أشهر على الأقل، وهناك ما هو أهم وأولى ويسبقه، مثل استكمال
محاكمات رؤوس الفساد السياسي الكبار، وحل المجالس المحلية والنقابات
العمالية المنتخبة بالتزوير، وتطهير الجامعات وانتخاب البرلمان الجديد.
واعتبر
عبد اللطيف أن تجاهل مثل هذه القضايا يكشف عن مساع لمجاملة رجال الأعمال
المتهمين بالتورط في قضايا الفساد، مشددا على أهمية تعديل مسار هذه القنوات
وعدم السماح بانفرادها بتحديد وجهة العقل المصري.
أما الدكتور محمد
سيف الدولة الأكاديمي المعروف، فيرى أن خطورة الإعلام الخاص في مصر، خاصة
الفضائيات تتمثل في اكتسائه بطبقة زائفة من المصداقية في بعض الأحيان، وهو
أمر لا يستمر طويلا ثم نراه يكذب بحرفية وفي قضايا معينة ومختارة بعناية،
للتخديم على مصالحه.
وقال إنه يتجمل طول الوقت بتبني بعض القضايا
الحقيقية والعادلة التي لا تمس صلب المصالح، أو بما يقدمه من خدمات إخبارية
واسعة ويحاول تحقيق قدر من المصداقية باستضافة أسماء رنانة تتمتع بثقة
ومصداقية الرأي العام.
ورأى أنه من الخطورة بمكان ترك مجموعة من
رجال الأعمال لا يتجاوز عددهم أصابع اليد في التأثير على الرأي العام،
والتحكم في إدارة الحوار حول التعديلات الدستورية، حيث أوهمتنا تلك
الفضائيات بأن الرأي العام المصري منحاز لاختيار معين قبل ان يكتشف أنها
قادت خدعة إعلامية موجهة.
واعتبر سيف الدولة أن رجال المال والأعمال
ليسوا طرفا أصيلا في ثورة يناير، ولا في أي ثورة شعبية حقيقية، فقد كانت
الغالبية العظمى منهم دائما وعلى مر العصور وتعدد الأنظمة، تتقرب من السلطة
حفاظا على مصالحها، ومن ثم فليس من المعقول ولا من المقبول أن نسلمهم
قيادة الخطاب السياسي والاعلامى للثورة لمجرد أنهم يملكون الأموال والصحف
والفضائيات.