هـــــذا الكـــــتاب
يتناول استقصاء للأمور ذات العلاقة بالتحكيم بين الزوجين و محاولة لوضعها
في قوالب قانونية و تبويبها و تفصيلها بحيث يسهل تعامل المتعاملين في
القانون معها و لقد قمنا بتأليفه نظرا لما للتحكيم الاسري من اهمية كبرى
و بعدما استشعرنا ان هناك حاجة ملحة للقيام بخطوات في سبيل تأطيره
باطر قانونية و اتخاذ ما يلزم لجعله اكثر فائدة و لكي تؤدي عملية التحكيم
الاهداف المرجوة منها و لكي يكون بين يدي المتقاضين و وكلائهم خلفية واسعة
عنه و ختاما .. لا تفوتنا الاشارة الى ان هذا الكتاب هو مزيج من
القواعد الشرعية و اخرى قانونية تم توليفها و طبخها باجتهاد شخصي علمي
منًا و بالتالي فهي قابلة للنقاش و النقض و الابرام و الحذف و الاضافة ..و
الله و لي التوفيق
و اول- و كذلك آخر - دعوانا (أن الحمد لله رب العالمين ). المؤلف
**********************************************
التحكيم بين الزوجين في الشريعة و الفقه القانوني
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية الشريفة{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ
اللَّهُ بَيْنَهُمَا } . صدق الله العظيم
1- ارادة الاصلاح المذكورة في الآية الشريفة هل المقصود منها الزوجان او الحكمان؟
ج- في الحقيقة ان المراد في الآية الشريفة هو الحكمين و ليس الزوجين
فالضمير يعود للحكمين اما الزوجين فلا يشغل بالهما حل الخلاف و انما يكرس
كل منهما فكره و جهده لكي يلحق اكبر ضرر ممكن بالزوج الاخر و يكسب المعركة و
ينتصر عليه و لو بالانفصال عنه .
2- و هل انتداب الحكم هو امر مناط بالمحكمة و الزوجين فقط او يكون ذلك للأهل
ج- ابتعاث الحكمين يكون للمحكمة و للأهل بل و للمجتمع و ان كان الخطاب يتوجه بنحو خاص للمحكمة .
3- متى يتم ابتعاث الحكمين ؟
ج – ان مجرد الخشية و ظهور بوادر الشقاق بصورة جدية كاف لانتداب الحكمين و
يتمثل ذلك في الشجار العنيف و الضرب المبرح و ارتفاع الاصوات بحيث تقتحم
بيوت الجيران و طرد الزوجة من البيت و عدم الانفاق عليها بحيث تضطر للتسول
مثلا او قيام احد الزوجين بأعمال مادية او قانونية من شانها الاضرار بالزوج
الاخر كرفع دعوى جنائية من شانها ادخاله السجن او قيام احدهما ببيع او
محاولة بيع احد الاملاك التي تعود اليه و لكنها مخصصة للمنفعة العائلية
كالسيارة بحيث يتضرر الطرف الاخر من ذلك ضررا جديا و بصورة مباشرة و يكون
البيع بقصد الاضرار بالآخر و ليس بسبب حاجة ملجئة .
4- ما هو الهدف او الاهداف من ابتعاث الحكمين؟
الهدف الرئيسي للحكمين هو التوفيق بين الزوجين بان يبحثا اسباب الشقاق و
حصرها و البحث عن امكانية معالجتها و تقييم الحكمين لها و ارجاع كل سبب الى
المتسبب فيه و تحميله مسئوليته فان تعذر ذلك ينتقلان الى شروط الطلاق ان
كان داخلا في صلاحياتهما
و لكن لابتعاث الحكمين فوائد اخرى غير ما ذكرناه فتقرير الحكمين يقدم
للقاضي صورة تكاد تكون واضحة عن المشكلة بين الزوجين و تعطيه فكرة اكثر
جلاء عن مزاجهما و سلوكهما و مقدار ملاءة كل منهما المالية و هو الامر الذي
يسهل عليه اتخاذ القرار في نزاعات متفرعة عن النزاع الاصلي او ذات علاقة
به كالحضانة و النفقة و من هو احق و اصلح لضم الاولاد اليه و كذلك الحكم
بنفقة المتعة طبقا لقانون الأحوال الشخصية السني في حال ظهر من التقرير ان
الخطأ الكامل هو من جانب الزوج .
5- ما هي الوظيفة الاساسية للحكم؟
ج وظيفة الحكم الاساسية هي السعي لإصلاح العلاقة الزوجية و ان لا يدخر جهدا
من اجل ذلك و ان يبحث عن مكامن التأثير في الزوجين من اجل اقناعهما
بالتنازل لبعضهما و التوافق من اجل استمرار الحياة الزوجية و لكن عليه
الحذر من المؤثرات التي لها تأثير نفسي و وقتي و لا تقدم حلولا للمشاكل
الجدية ويجب عليه ان يكون صادقا مع الطرفين فلا يقول لاحدهما كلاما يتنافى
مع ما يقوله للآخر و لا يغرر بأحدهما او كلاهما أو يمارس الخداع في مهمته و
لا الكلمات التي ليست لها دلالة واضحة و محددة وان يعمل مع الحكم الاخر
على بناء و تشييد اُسس واضحة و متينة و سليمة لكي يتابع الزوجين حياتهما
الزوجية وفقا لها و ان يقوم بعمل توافقات بينهما مسترشدا بقوله تعالى هن
لباس لكم و انتم لباس لهن )– و قوله جل اسمه (و جعل بينكما مودة و رحمة )
بمعنى ان الحياة الزوجية تقوم في معظمها على التعاون و التسامح و المحبة و
الرعاية و حسن العشرة و حسن الظن و التجاوز عن الاخطاء و نسيان أو تناسي
غلط كل منهما تجاه الاخر و ان يتجنب ما أمكن اللجوء للإشارة للواجبات و
الحقوق الزوجية لان الالتزام بها بدقة و بحرفية يعقد الامور و يفشل عملية
الاصلاح بل و حتى لو اضطر اليهما فليعبر عنها باحتياجات و ضرورات و ليس
بواجبات كما ان من شان اللجوء اليها و بالتعبيرات الفنية الدقيقة ان يجعل
الحياة الزوجية جافة بلا لمسات و مشاعر و تتحول – لو استمرت- كمثل عقد
العمل و العلاقة التجارية او الانتفاعية بين طرفين كالملذة الجنسية و
المضاجعة لقاء الملبس و النفقة و هذا غير مرغوب شرعا .
6- الوظيفة الثانوية للحكم ؟
ج- في حال اخفقت المحاولات لإصلاح ذات البين ينتقل البحث في امكانية تسوية
من شانها انفصال الزوجين بهدوء و دون مشاكل و يتم بمقتضى هذه التسوية ترتيب
موضوع حضانة الاولاد و الزيارة و النفقة و ادارة شئونهم الولائية و تقسيم
الاملاك المشتركة و ترتيب شئون المسكن للأولاد و غير ذلك .
7- هل للحكم الانتقال للوظيفة الثانوية من تلقاء نفسة ؟
ج – ليس للحكم ذلك مالم تكون المأمورية شاملة لذلك و لا يكفي لذلك اتفاق الحكمين على ذلك.
8- هل ان قرار الحكمين بالانفصال ملزم ؟
ج – لا يكون ملزما الا اذا امضته المحكمة او ان الزوجين قد فوضا الحكمين لهذه الامكانية مسبقا.
9- الحكمين و شرط النتيجة للتطليق؟
ج- اذا كان الحكمان مبتعثان من قبل المحكمة فان مهمتهما تنتهي بتقديم
التقرير لها مع امكانية مناقشتهما من قبل المحكمة او من قبل الخصوم امامها
اما اذا كان الحكمان مفوضان من قبل الاهل فلا يزيد حالهما عن ما سبق مع
الحق لهما بتقديم التوصيات و اما ان كان مبتعثان من قبل الزوجين فيكون
تقريرهما مشخصا للمسئولية عن الاخطاء و اقتراح الحلول و لو بالطلاق و اما
اذا كان الحكمان مفوضان للتطليق فنحن بصدد فرضين اولهما الحق في الزام
الزوجين بالتطليق و هناك متى اتفق الحكمان عليه لزم الزوجين و انه يجب
عليهما ايقاعه بمجرد انتهاء الحكمين اليه فيجب التطليق على من بيده العصمة
مع لزوم تسهيل الطرف الاخر له لتنفيذ هذه المهمة كالتنازل عن مؤخر الصداق
او بعضه و ثانيهما ان يقبل الحكمان التحكيم بشرط ان يكونا مفوضين بالتطليق
وهنا يتحقق ما يسمى بشرط النتيجة فمتى قام الحكمان بالتحكيم فانهما اصبحا
وكليين في التطليق ايضا و تلقائيا ,فوكالتهما بالتطليق و قيامهما بالتحكيم
امتزجا و صار شيئا واحدا و كذلك الحال لو كان احد الحكمين هو المفوض
بالتطليق غير انه يشترط في هذه الحالة-حالة شرط النتيجة- موافقة الزوج على
هذا التفويض او من بيده عقدة النكاح كما في بعض الفقه الذي يجيز ان تكون
العصمة بيد الزوجة .
10-ما هي الصفة القانونية للحكم؟
ج - الحكم يصنف قانونيا بانه مكلف بأداء خدمة عامة ان كان تنصيبه من قبل
المحكمة و ان كان مختار من قبل الزوجين فلا يحمل هذه الصفة و لكن لو قبلا
به بوصفه قاضي صلح فانه بالرغم من نفاذ حكمه لكنه لا يحمل صفة الموظف العام
و لا المكلف بخدمة عامة الا اذا كان معتمدا من جهة رسمية بانه حكم كما
يعتمد المأذونين لعقود الزواج او الخبراء المحاسبيين او المهندسين و ما ذلك
الا لأنه لكي يكتسب الشخص صفة الموظف العام يجب ان يكون موظف لدى الدولة و
لكي يكون مكلف بأداء خدمة عامة يتحتم ان يكون منصوبا من قبل جهة رسمية لها
الحق في تنصيبه او يكون القانون قد منحه هذه الصفة وحيث ان القانون
البحريني لم يتناول هذا الموضوع فلا يعتبر الحكم الغير منصوب من المحكمة
مكلف بأداء خدمة عامة و بناء على ما قررناه فانه يحاسب على اخطائه و
تقصيره و تجاوزاته بل و جرائمه المتعلقة بعمله كحكم محاسبة الشخص العادي
غير المتصف باي من وصفي الموظف العام او المكلف بأداء خدمة عامة و كذلك
عندما يتم الاعتداء عليه اثناء عمله كحكم او بسبب عمله كحكم و ربما ايضا
بمناسبة عمله كحكم فان محاسبة المعتدين عليه تتم حسب الصفة التي تم خلعها
عليه كموظف عام او كمكلف بأداء خدمة عامة او نزعها منه فالمدار يدور معها
وجودا او انتفاء تطبيقا موسعا لفكرة ( من لا حد له لا حد عليه )
فجميع الجرائم التي قد يرتكبها الحكم او ترتكب في حقه تتبع الصفة ان وجدت و تنتفي ان انتفت
11- ما هي صفات الحكم و مؤهلاته
1-ان ارادة الاصلاح المشار اليها في الآية الشريفة منوطة بالحكمين مما يبرز
اهمية الدور الحيادي للحكمين فهما حكمين (بمثابة قاضيين في بعض الوجوه )و
ليسا خصمين و لا محاميين
2-الحكم في الدعوى الشرعية هو بمثابة الخبير في الدعوى المدنية و يفترض ان يجري عليه ما يجري عليه من احكام بصورة عامة
و من ثم و امام هذه المهمة الخطيرة التي قد يتوقف عليها استمرار اسرة و
نماءها او انهيارها و اختفاءها كوحدة واحدة متماسكة و حيث ان المجتمع
ينحل الى وحدات صغيرة هي الاسر و كلما كانت تلك الوحدات سليمة متماسكة كان
المجتمع بأسره منتجا و سليما و قويا
لذلك فلا بد من توافر مؤهلات معرفية او علمية او اكاديمية و مواصفات شخصية
للحكم من اجل ان يكون مؤهلا و جديرا بتولي هذه المهمة الصعبة التي تحتاج
الى صبر و نباهة و قدرة على حسن التصرف و مقدرة على الاحتمال و كل ذلك
وصولا الى نهاية سعيدة للمشكلة الزوجية او حل منصف و مقبول و غير مهزوز لها
و لو بالطلاق وفق شروط او بنود تتضمنها تسوية يعدها الحكمان و لو بإشراف و
رعاية المحكمة او الاهل او المجتمع .
و سوف نحاول استقصاء الشروط الواجب او المستحسن توافرها في الحكم وهي كما يلي :
ليست له مصلحة مع احد الزوجين
و المقصود بذلك ان لا تكون له مصلحة مع احد الزوجين ضد الاخر اما المصلحة
المنبتة الصلة و التي لا تؤثر على عمله كحكم فلا بأس بها كما لو كان شريك
الزوج في تجارته او متقبل لعمل يقوم به لصالح الزوجة و لكن كل ذلك مشروط
بان لا يكون هناك خوف من انه إذا لم يكن تقريره موافق لهوى الزوج او الزوجة
فان مصلحته سوف تتضرر .
محايدا = مبدأ الحيادية
المقصود بالحياد هو المعنى الفني الدقيق و هو الذي يعني ان يتعامل مع
الوقائع و الحجج بواقعية و تجرد ومن دون ان يؤثر على قراره قربه او محبته
الاكثر من احد الزوجين بمعنى ان ينظر للواقعة بما هي هي بحد ذاتها و يقيم
مدى خطئها او صوابيتها دون ان يضع في الاعتبار شخصية من صدرت منه او وجهت
اليه و لا مدى قربه منه و تعاطفه معه و لكن يتوجب عليه –أيضا- ملاحظة
الشأنية و النوعية بالنسبة للزوجيين و عدم تجاهلها او اغفالها فشان احد
الزوجين أو كلاهما ملحوظ فيما قد يعتبر اساءة فما هو اساءة عند قوم ليس
كذلك عند آخرين .
الحكم و الحياد الايجابي
ظهرت فكرة الحياد الايجابي لكسر الجمود و السلبية في عمل القاضي حيث انه
كان سابقا يكتفي بسماع ما يدلي به الخصوم و شهودهم ثم يفصل وفقا لمآل
اقوالهم و حجهم و نظرا لان اغلب المتقاضين بسطاء و عوام فقد كانوا يسيرون
بالدعوى في المسارات الخاطئة و يعقدون الامور و يغفلون عن الوقائع المنتجة
في الدعوى كما يتم استغلال فقر بعض الخصوم من قبل أغنياهم و السذج منهم
من قبل ذوي الفكر الثاقب و البليد من قبل النبيه فكان لا بد من ايجاد
آلية لعمل التوزان بين الخصوم ليكون تمثليهم امام القضاء متساويا فكانت هذه
الفكرة و هي فكرة الحياد الايجابي و لذلك حاول بعض الفقهاء بالتفريق بين
التنبيه و التوجيه فسمح بالأول ومنع الثاني و لعل اسهل شرح للأول هو ان
التنبيه هو قولبة قول الخصم في قالب قانوني و تكيفه وفقا له و تأطيره في
الاطار الشرعي بينما المصطلح الثاني يعني لفت نظر الخصم الى اوجه دفاع و
اوجه صد للادعاء هو لا يعلمها واو غافل عنها .. و ما ذكرنا هنا عن هذه
الفكرة مع القاضي تكاد تكون نفسها مع الحكم مع تغيير ما يلزم تغييره .
قريبا
شرط القرابة مطلوب على نحو الاولوية و ليس على نحو الانحصار وذلك في حالة
انعدام الحكم المناسب من الاقارب و عند التزاحم بين القريب و الاقرب
فالمعول عليه هو بالأصلح و ليس بالأقرب لان الآية لم تحصر الحكم في درجة
معينة من القرابة و لم ترتب القرابة ترتيبا طوليا بحيث يتحتم مراعاة الاقرب
فالأقرب و يستوحى ان السبب في اشتراط القرابة هو ان القريب هو مظنة
الاخلاص و الحرص على مصلحة قريبه و الحرص كذلك على حفظ اسراره و عدم فضحها و
الستر على ما قد يطلع عليه من عوراتهم و خصوصياتهم كما ان الانسان بطبعه
يكون اكثر ميلا للحديث حول شئونه الشخصية مع الاقرب دون الاباعد ذلك ان
القريب يكون عادة شفيقا بقريبه و يتمنى له السعادة و الاستمرار الحسن في
حياته الزوجية و من ثم فانه يبذل قصارى جهده و بإخلاص و تفان لتحقيق هذه
الغاية و لكي لا ينجرف ذلك القريب الى قريبه فان الحكم الاخر و الذي هو
قريب الزوج الاخر يمثل قيدا و فرملة فكل حكم يحد من انجرافه الحكم الاخر و
هاهنا يجب ملاحظة امر مهم بل بالغ الاهمية و هو ان الحكم وظيفته الاولى هي
الاصلاح بين الزوجين و عليه ان يدفع بهذا الاتجاه و بشدة و ليس هو محام عن
من هو حكم من قبله و الحكم ليس و كيلا لاحد الزوجين بل اما مفوضا من قبله
لكي يمحص الخلاف بتمعن و حكمة او مفوضا من قبل المحكمة كما ان الحكمين ليس
من وظيفتهما الشجار و الاختلاف بالنيابة عن الزوجين ,
حكيما
الحكمة هي صفة عظيمة وقل من يبلغ منها مبلغا عظيما و هي خير ما يمن به
الله على عباده فقد قال تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد
أوتي خيرا كثيرا و ما يتذكر الا اولوا الالباب )
والحكمة هي صفة و حالة نفسانية تعرف في الشخص و تستخلص من بعض المظاهر و
كلما زادت تلك المظاهر و زادت درجتها في الشخص فانه بقدر ذلك يكون اكثر
حكمة و حنكة .
و من تلك المظاهر التي تنبئ عن الحكمة ان يكون متزنا كتوما حاذقا لمًاحا
مؤثرا محترما حسن السيرة نبيها فيلتفت للإشارات الضعيفة و العابرة التي قد
تفيد بوجود مشكلة حقيقة غير ما يصرح به الطرفان و ان يكون لمًاحا فيُشعر
الطرفين بما يريد دون ان يقوله لكي لا يحسب عليه او لكي لا ينجر الى نقاش
ليس من صلب الموضوع مما يسهل مهمته في الاصلاح في كثير من الاحيان .كما
يفترض ان تكون لديه القدرة على مسك و ادارة الحوار ببراعة و سلاسة فلا يكون
مجرد متلقي و جهة لتنفيس الغل و القهر من احد الزوجين ضد الاخر و لا يكون
نقالا لكل كلمة او اتهام يسمعه من احدهما ضد الاخر بل ينقل او يناقش ماله
علاقة بالشقاق و ما يفيد الاصلاح و ما عدا ذلك يحاول حله مع ذي الشأن
مباشرة ليس كعملية تحكيم و انما كعملية نصح و ارشاد .
صبورا
ذلك ان هذه المهمة تحتاج الى استماع و اصغاء و انتباه و نباهة و لا بد من
سماع كافة ما يدلي به الطرفان حتى و ان كان منبت الصلة بموضوع الشقاق
لكيلا لا يتحسس المتكلم و يحجم عن التعاون مع الحكم و كذلك فان البحث عن
الحلول و بدائلها و مناقشتها مع الزوجين و محاولة التوفيق بينهما على نقاط
تكون وسطا بين مطالبهما المتعارضة تتطلب سعة بال و صبرا و قوة احتمال
كبيرين .
12-ما هو العمر المناسب للحكم؟
ج - يفترض في الحكم ان يكون متوسط السن لا بالصغير المرفوض و لا بالكبير
المهيوب لكي ينفتح عليه الخصمان فليس مناسبا في العادة الحكم بسن العشرين
فهو لم يستحكم عقله و رشده و لا بسن الثمانين فهو في العادة ضعيف
الاستيعاب حاد المزاج ذو مفاهيم مغايرة لمفاهيم الزوجين فينبغي ان يكون
الحكم غير منفصل عن الفئة العمرية او الجيل الذي ينتمي اليه الزوجان قادرا
على ادراك و فهم نوعية المشكلة فقد تكون المشكلة بسبب استخدام الانترنت
او عمل ذا طبيعة خاصة فقد يكون الحكم غير مستوعب لماهية ما يختلف عليه
الزوجان خصوصا اذا كان من جيل اخر ذو ثقافة مغايرة منبتة الصلة مع ثقافة و
جيل الزوجين و افضل ما يكون عمر الحكم ما بين 35و 60 سنة .
12-هل للقاضي سلطة في اجبار الحكم على القيام بالعمل او بمتابعة العمل
ج - في حال تم اعتماد شخص او اشخاص كمحكمين او حكام من اجل التوفيق بين
الازواج او ترتيب انفصالهم بهدوء و بأكبر قدر ممكن من الاتفاق فان الذي
نميل اليه هو وجوب قبولهم التحكيم بين الازواج كيفما و اينما و حيثما كانوا
بمعنى ليس لهم الحق في رفض التحكيم بينهم من دون عذر مقبول حيث يعتبر
استخراج رخصة التحكيم و التلبس بهذه الوظيفة بمثابة ايجاب على غرار من
يفتح دكانا او حلاقا او مطعما و يكون من قبيل العذر المقبول المانع
الادبي او الخشية من بطش احد الطرفين او تضمن الخلاف بين الزوجين لجوانب
لا يحسن الحكم التعامل معها او تستعصي عليه .
هذا من جانب و لكن من جانب آخر فقد يبدأ الحكم العمل و ينجز بعض مراحله ثم
يبدوا له التخلي عنه فان للقاضي متى قدر ان المصلحة تقتضي اكمال العمل الذي
بداه الحكم فله اجباره طالما كان تخليه بلا سبب معقول او مقبول و هاهنا
نقطة مهمة على المحكمة مراعاتها و هي محتملة الحدوث جدا و هي حالة ما اذا
تحول الحكم الى خصم كان اصطدم بأحد الخصمين او تجاوز في اداء عمله بحيث
بات واضحا انه لا يقوم بعمله بحيث ما تقتضيه وظيفة الحكم و انما تحول
للدفاع عن وجهة نظر احد الطرفين و انحاز لها ففي هذه الحالة يتوجب عزله و
استبداله و لكن بقرار مسبب لكيلا تضطرب الامور و لكي يحسن ضبطها .
على صلة بما تقدم ذكره فقد يرفع الحكمان تقريرهما للمحكمة فترى المحكمة ان
التقرير لم يسلط الضوء على بعض النقاط المهمة كما ينبغي و لم يتناولها
بالتمحيص بالقدر اللازم او انه اغفل بعض النقاط التي ظهرت او اثيرت و لم
يبحثها او ارتأت المحكمة لدى مقاربتها و مقارنتها بين التقرير و بين اوراق
الدعوى ان هناك ما يستوجب بحثه و تمحيصه فإن لها ان تعيد المأمورية
للحكمين و تكلفهما ببحث تلك النقاط و المسائل اما اذا اكتنف بعض اجزاء
التقرير غموض فان ذلك لا يستوجب اعادة المأمورية للحكمين و انما تستدعيهما
منفردين او مجتمعين – بحسب ما تراه- لاستيضاح المسائل و النقاط الغامضة
التي وردت بالتقرير .
تتبع
يتناول استقصاء للأمور ذات العلاقة بالتحكيم بين الزوجين و محاولة لوضعها
في قوالب قانونية و تبويبها و تفصيلها بحيث يسهل تعامل المتعاملين في
القانون معها و لقد قمنا بتأليفه نظرا لما للتحكيم الاسري من اهمية كبرى
و بعدما استشعرنا ان هناك حاجة ملحة للقيام بخطوات في سبيل تأطيره
باطر قانونية و اتخاذ ما يلزم لجعله اكثر فائدة و لكي تؤدي عملية التحكيم
الاهداف المرجوة منها و لكي يكون بين يدي المتقاضين و وكلائهم خلفية واسعة
عنه و ختاما .. لا تفوتنا الاشارة الى ان هذا الكتاب هو مزيج من
القواعد الشرعية و اخرى قانونية تم توليفها و طبخها باجتهاد شخصي علمي
منًا و بالتالي فهي قابلة للنقاش و النقض و الابرام و الحذف و الاضافة ..و
الله و لي التوفيق
و اول- و كذلك آخر - دعوانا (أن الحمد لله رب العالمين ). المؤلف
**********************************************
التحكيم بين الزوجين في الشريعة و الفقه القانوني
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية الشريفة{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا
مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ
اللَّهُ بَيْنَهُمَا } . صدق الله العظيم
1- ارادة الاصلاح المذكورة في الآية الشريفة هل المقصود منها الزوجان او الحكمان؟
ج- في الحقيقة ان المراد في الآية الشريفة هو الحكمين و ليس الزوجين
فالضمير يعود للحكمين اما الزوجين فلا يشغل بالهما حل الخلاف و انما يكرس
كل منهما فكره و جهده لكي يلحق اكبر ضرر ممكن بالزوج الاخر و يكسب المعركة و
ينتصر عليه و لو بالانفصال عنه .
2- و هل انتداب الحكم هو امر مناط بالمحكمة و الزوجين فقط او يكون ذلك للأهل
ج- ابتعاث الحكمين يكون للمحكمة و للأهل بل و للمجتمع و ان كان الخطاب يتوجه بنحو خاص للمحكمة .
3- متى يتم ابتعاث الحكمين ؟
ج – ان مجرد الخشية و ظهور بوادر الشقاق بصورة جدية كاف لانتداب الحكمين و
يتمثل ذلك في الشجار العنيف و الضرب المبرح و ارتفاع الاصوات بحيث تقتحم
بيوت الجيران و طرد الزوجة من البيت و عدم الانفاق عليها بحيث تضطر للتسول
مثلا او قيام احد الزوجين بأعمال مادية او قانونية من شانها الاضرار بالزوج
الاخر كرفع دعوى جنائية من شانها ادخاله السجن او قيام احدهما ببيع او
محاولة بيع احد الاملاك التي تعود اليه و لكنها مخصصة للمنفعة العائلية
كالسيارة بحيث يتضرر الطرف الاخر من ذلك ضررا جديا و بصورة مباشرة و يكون
البيع بقصد الاضرار بالآخر و ليس بسبب حاجة ملجئة .
4- ما هو الهدف او الاهداف من ابتعاث الحكمين؟
الهدف الرئيسي للحكمين هو التوفيق بين الزوجين بان يبحثا اسباب الشقاق و
حصرها و البحث عن امكانية معالجتها و تقييم الحكمين لها و ارجاع كل سبب الى
المتسبب فيه و تحميله مسئوليته فان تعذر ذلك ينتقلان الى شروط الطلاق ان
كان داخلا في صلاحياتهما
و لكن لابتعاث الحكمين فوائد اخرى غير ما ذكرناه فتقرير الحكمين يقدم
للقاضي صورة تكاد تكون واضحة عن المشكلة بين الزوجين و تعطيه فكرة اكثر
جلاء عن مزاجهما و سلوكهما و مقدار ملاءة كل منهما المالية و هو الامر الذي
يسهل عليه اتخاذ القرار في نزاعات متفرعة عن النزاع الاصلي او ذات علاقة
به كالحضانة و النفقة و من هو احق و اصلح لضم الاولاد اليه و كذلك الحكم
بنفقة المتعة طبقا لقانون الأحوال الشخصية السني في حال ظهر من التقرير ان
الخطأ الكامل هو من جانب الزوج .
5- ما هي الوظيفة الاساسية للحكم؟
ج وظيفة الحكم الاساسية هي السعي لإصلاح العلاقة الزوجية و ان لا يدخر جهدا
من اجل ذلك و ان يبحث عن مكامن التأثير في الزوجين من اجل اقناعهما
بالتنازل لبعضهما و التوافق من اجل استمرار الحياة الزوجية و لكن عليه
الحذر من المؤثرات التي لها تأثير نفسي و وقتي و لا تقدم حلولا للمشاكل
الجدية ويجب عليه ان يكون صادقا مع الطرفين فلا يقول لاحدهما كلاما يتنافى
مع ما يقوله للآخر و لا يغرر بأحدهما او كلاهما أو يمارس الخداع في مهمته و
لا الكلمات التي ليست لها دلالة واضحة و محددة وان يعمل مع الحكم الاخر
على بناء و تشييد اُسس واضحة و متينة و سليمة لكي يتابع الزوجين حياتهما
الزوجية وفقا لها و ان يقوم بعمل توافقات بينهما مسترشدا بقوله تعالى هن
لباس لكم و انتم لباس لهن )– و قوله جل اسمه (و جعل بينكما مودة و رحمة )
بمعنى ان الحياة الزوجية تقوم في معظمها على التعاون و التسامح و المحبة و
الرعاية و حسن العشرة و حسن الظن و التجاوز عن الاخطاء و نسيان أو تناسي
غلط كل منهما تجاه الاخر و ان يتجنب ما أمكن اللجوء للإشارة للواجبات و
الحقوق الزوجية لان الالتزام بها بدقة و بحرفية يعقد الامور و يفشل عملية
الاصلاح بل و حتى لو اضطر اليهما فليعبر عنها باحتياجات و ضرورات و ليس
بواجبات كما ان من شان اللجوء اليها و بالتعبيرات الفنية الدقيقة ان يجعل
الحياة الزوجية جافة بلا لمسات و مشاعر و تتحول – لو استمرت- كمثل عقد
العمل و العلاقة التجارية او الانتفاعية بين طرفين كالملذة الجنسية و
المضاجعة لقاء الملبس و النفقة و هذا غير مرغوب شرعا .
6- الوظيفة الثانوية للحكم ؟
ج- في حال اخفقت المحاولات لإصلاح ذات البين ينتقل البحث في امكانية تسوية
من شانها انفصال الزوجين بهدوء و دون مشاكل و يتم بمقتضى هذه التسوية ترتيب
موضوع حضانة الاولاد و الزيارة و النفقة و ادارة شئونهم الولائية و تقسيم
الاملاك المشتركة و ترتيب شئون المسكن للأولاد و غير ذلك .
7- هل للحكم الانتقال للوظيفة الثانوية من تلقاء نفسة ؟
ج – ليس للحكم ذلك مالم تكون المأمورية شاملة لذلك و لا يكفي لذلك اتفاق الحكمين على ذلك.
8- هل ان قرار الحكمين بالانفصال ملزم ؟
ج – لا يكون ملزما الا اذا امضته المحكمة او ان الزوجين قد فوضا الحكمين لهذه الامكانية مسبقا.
9- الحكمين و شرط النتيجة للتطليق؟
ج- اذا كان الحكمان مبتعثان من قبل المحكمة فان مهمتهما تنتهي بتقديم
التقرير لها مع امكانية مناقشتهما من قبل المحكمة او من قبل الخصوم امامها
اما اذا كان الحكمان مفوضان من قبل الاهل فلا يزيد حالهما عن ما سبق مع
الحق لهما بتقديم التوصيات و اما ان كان مبتعثان من قبل الزوجين فيكون
تقريرهما مشخصا للمسئولية عن الاخطاء و اقتراح الحلول و لو بالطلاق و اما
اذا كان الحكمان مفوضان للتطليق فنحن بصدد فرضين اولهما الحق في الزام
الزوجين بالتطليق و هناك متى اتفق الحكمان عليه لزم الزوجين و انه يجب
عليهما ايقاعه بمجرد انتهاء الحكمين اليه فيجب التطليق على من بيده العصمة
مع لزوم تسهيل الطرف الاخر له لتنفيذ هذه المهمة كالتنازل عن مؤخر الصداق
او بعضه و ثانيهما ان يقبل الحكمان التحكيم بشرط ان يكونا مفوضين بالتطليق
وهنا يتحقق ما يسمى بشرط النتيجة فمتى قام الحكمان بالتحكيم فانهما اصبحا
وكليين في التطليق ايضا و تلقائيا ,فوكالتهما بالتطليق و قيامهما بالتحكيم
امتزجا و صار شيئا واحدا و كذلك الحال لو كان احد الحكمين هو المفوض
بالتطليق غير انه يشترط في هذه الحالة-حالة شرط النتيجة- موافقة الزوج على
هذا التفويض او من بيده عقدة النكاح كما في بعض الفقه الذي يجيز ان تكون
العصمة بيد الزوجة .
10-ما هي الصفة القانونية للحكم؟
ج - الحكم يصنف قانونيا بانه مكلف بأداء خدمة عامة ان كان تنصيبه من قبل
المحكمة و ان كان مختار من قبل الزوجين فلا يحمل هذه الصفة و لكن لو قبلا
به بوصفه قاضي صلح فانه بالرغم من نفاذ حكمه لكنه لا يحمل صفة الموظف العام
و لا المكلف بخدمة عامة الا اذا كان معتمدا من جهة رسمية بانه حكم كما
يعتمد المأذونين لعقود الزواج او الخبراء المحاسبيين او المهندسين و ما ذلك
الا لأنه لكي يكتسب الشخص صفة الموظف العام يجب ان يكون موظف لدى الدولة و
لكي يكون مكلف بأداء خدمة عامة يتحتم ان يكون منصوبا من قبل جهة رسمية لها
الحق في تنصيبه او يكون القانون قد منحه هذه الصفة وحيث ان القانون
البحريني لم يتناول هذا الموضوع فلا يعتبر الحكم الغير منصوب من المحكمة
مكلف بأداء خدمة عامة و بناء على ما قررناه فانه يحاسب على اخطائه و
تقصيره و تجاوزاته بل و جرائمه المتعلقة بعمله كحكم محاسبة الشخص العادي
غير المتصف باي من وصفي الموظف العام او المكلف بأداء خدمة عامة و كذلك
عندما يتم الاعتداء عليه اثناء عمله كحكم او بسبب عمله كحكم و ربما ايضا
بمناسبة عمله كحكم فان محاسبة المعتدين عليه تتم حسب الصفة التي تم خلعها
عليه كموظف عام او كمكلف بأداء خدمة عامة او نزعها منه فالمدار يدور معها
وجودا او انتفاء تطبيقا موسعا لفكرة ( من لا حد له لا حد عليه )
فجميع الجرائم التي قد يرتكبها الحكم او ترتكب في حقه تتبع الصفة ان وجدت و تنتفي ان انتفت
11- ما هي صفات الحكم و مؤهلاته
1-ان ارادة الاصلاح المشار اليها في الآية الشريفة منوطة بالحكمين مما يبرز
اهمية الدور الحيادي للحكمين فهما حكمين (بمثابة قاضيين في بعض الوجوه )و
ليسا خصمين و لا محاميين
2-الحكم في الدعوى الشرعية هو بمثابة الخبير في الدعوى المدنية و يفترض ان يجري عليه ما يجري عليه من احكام بصورة عامة
و من ثم و امام هذه المهمة الخطيرة التي قد يتوقف عليها استمرار اسرة و
نماءها او انهيارها و اختفاءها كوحدة واحدة متماسكة و حيث ان المجتمع
ينحل الى وحدات صغيرة هي الاسر و كلما كانت تلك الوحدات سليمة متماسكة كان
المجتمع بأسره منتجا و سليما و قويا
لذلك فلا بد من توافر مؤهلات معرفية او علمية او اكاديمية و مواصفات شخصية
للحكم من اجل ان يكون مؤهلا و جديرا بتولي هذه المهمة الصعبة التي تحتاج
الى صبر و نباهة و قدرة على حسن التصرف و مقدرة على الاحتمال و كل ذلك
وصولا الى نهاية سعيدة للمشكلة الزوجية او حل منصف و مقبول و غير مهزوز لها
و لو بالطلاق وفق شروط او بنود تتضمنها تسوية يعدها الحكمان و لو بإشراف و
رعاية المحكمة او الاهل او المجتمع .
و سوف نحاول استقصاء الشروط الواجب او المستحسن توافرها في الحكم وهي كما يلي :
ليست له مصلحة مع احد الزوجين
و المقصود بذلك ان لا تكون له مصلحة مع احد الزوجين ضد الاخر اما المصلحة
المنبتة الصلة و التي لا تؤثر على عمله كحكم فلا بأس بها كما لو كان شريك
الزوج في تجارته او متقبل لعمل يقوم به لصالح الزوجة و لكن كل ذلك مشروط
بان لا يكون هناك خوف من انه إذا لم يكن تقريره موافق لهوى الزوج او الزوجة
فان مصلحته سوف تتضرر .
محايدا = مبدأ الحيادية
المقصود بالحياد هو المعنى الفني الدقيق و هو الذي يعني ان يتعامل مع
الوقائع و الحجج بواقعية و تجرد ومن دون ان يؤثر على قراره قربه او محبته
الاكثر من احد الزوجين بمعنى ان ينظر للواقعة بما هي هي بحد ذاتها و يقيم
مدى خطئها او صوابيتها دون ان يضع في الاعتبار شخصية من صدرت منه او وجهت
اليه و لا مدى قربه منه و تعاطفه معه و لكن يتوجب عليه –أيضا- ملاحظة
الشأنية و النوعية بالنسبة للزوجيين و عدم تجاهلها او اغفالها فشان احد
الزوجين أو كلاهما ملحوظ فيما قد يعتبر اساءة فما هو اساءة عند قوم ليس
كذلك عند آخرين .
الحكم و الحياد الايجابي
ظهرت فكرة الحياد الايجابي لكسر الجمود و السلبية في عمل القاضي حيث انه
كان سابقا يكتفي بسماع ما يدلي به الخصوم و شهودهم ثم يفصل وفقا لمآل
اقوالهم و حجهم و نظرا لان اغلب المتقاضين بسطاء و عوام فقد كانوا يسيرون
بالدعوى في المسارات الخاطئة و يعقدون الامور و يغفلون عن الوقائع المنتجة
في الدعوى كما يتم استغلال فقر بعض الخصوم من قبل أغنياهم و السذج منهم
من قبل ذوي الفكر الثاقب و البليد من قبل النبيه فكان لا بد من ايجاد
آلية لعمل التوزان بين الخصوم ليكون تمثليهم امام القضاء متساويا فكانت هذه
الفكرة و هي فكرة الحياد الايجابي و لذلك حاول بعض الفقهاء بالتفريق بين
التنبيه و التوجيه فسمح بالأول ومنع الثاني و لعل اسهل شرح للأول هو ان
التنبيه هو قولبة قول الخصم في قالب قانوني و تكيفه وفقا له و تأطيره في
الاطار الشرعي بينما المصطلح الثاني يعني لفت نظر الخصم الى اوجه دفاع و
اوجه صد للادعاء هو لا يعلمها واو غافل عنها .. و ما ذكرنا هنا عن هذه
الفكرة مع القاضي تكاد تكون نفسها مع الحكم مع تغيير ما يلزم تغييره .
قريبا
شرط القرابة مطلوب على نحو الاولوية و ليس على نحو الانحصار وذلك في حالة
انعدام الحكم المناسب من الاقارب و عند التزاحم بين القريب و الاقرب
فالمعول عليه هو بالأصلح و ليس بالأقرب لان الآية لم تحصر الحكم في درجة
معينة من القرابة و لم ترتب القرابة ترتيبا طوليا بحيث يتحتم مراعاة الاقرب
فالأقرب و يستوحى ان السبب في اشتراط القرابة هو ان القريب هو مظنة
الاخلاص و الحرص على مصلحة قريبه و الحرص كذلك على حفظ اسراره و عدم فضحها و
الستر على ما قد يطلع عليه من عوراتهم و خصوصياتهم كما ان الانسان بطبعه
يكون اكثر ميلا للحديث حول شئونه الشخصية مع الاقرب دون الاباعد ذلك ان
القريب يكون عادة شفيقا بقريبه و يتمنى له السعادة و الاستمرار الحسن في
حياته الزوجية و من ثم فانه يبذل قصارى جهده و بإخلاص و تفان لتحقيق هذه
الغاية و لكي لا ينجرف ذلك القريب الى قريبه فان الحكم الاخر و الذي هو
قريب الزوج الاخر يمثل قيدا و فرملة فكل حكم يحد من انجرافه الحكم الاخر و
هاهنا يجب ملاحظة امر مهم بل بالغ الاهمية و هو ان الحكم وظيفته الاولى هي
الاصلاح بين الزوجين و عليه ان يدفع بهذا الاتجاه و بشدة و ليس هو محام عن
من هو حكم من قبله و الحكم ليس و كيلا لاحد الزوجين بل اما مفوضا من قبله
لكي يمحص الخلاف بتمعن و حكمة او مفوضا من قبل المحكمة كما ان الحكمين ليس
من وظيفتهما الشجار و الاختلاف بالنيابة عن الزوجين ,
حكيما
الحكمة هي صفة عظيمة وقل من يبلغ منها مبلغا عظيما و هي خير ما يمن به
الله على عباده فقد قال تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد
أوتي خيرا كثيرا و ما يتذكر الا اولوا الالباب )
والحكمة هي صفة و حالة نفسانية تعرف في الشخص و تستخلص من بعض المظاهر و
كلما زادت تلك المظاهر و زادت درجتها في الشخص فانه بقدر ذلك يكون اكثر
حكمة و حنكة .
و من تلك المظاهر التي تنبئ عن الحكمة ان يكون متزنا كتوما حاذقا لمًاحا
مؤثرا محترما حسن السيرة نبيها فيلتفت للإشارات الضعيفة و العابرة التي قد
تفيد بوجود مشكلة حقيقة غير ما يصرح به الطرفان و ان يكون لمًاحا فيُشعر
الطرفين بما يريد دون ان يقوله لكي لا يحسب عليه او لكي لا ينجر الى نقاش
ليس من صلب الموضوع مما يسهل مهمته في الاصلاح في كثير من الاحيان .كما
يفترض ان تكون لديه القدرة على مسك و ادارة الحوار ببراعة و سلاسة فلا يكون
مجرد متلقي و جهة لتنفيس الغل و القهر من احد الزوجين ضد الاخر و لا يكون
نقالا لكل كلمة او اتهام يسمعه من احدهما ضد الاخر بل ينقل او يناقش ماله
علاقة بالشقاق و ما يفيد الاصلاح و ما عدا ذلك يحاول حله مع ذي الشأن
مباشرة ليس كعملية تحكيم و انما كعملية نصح و ارشاد .
صبورا
ذلك ان هذه المهمة تحتاج الى استماع و اصغاء و انتباه و نباهة و لا بد من
سماع كافة ما يدلي به الطرفان حتى و ان كان منبت الصلة بموضوع الشقاق
لكيلا لا يتحسس المتكلم و يحجم عن التعاون مع الحكم و كذلك فان البحث عن
الحلول و بدائلها و مناقشتها مع الزوجين و محاولة التوفيق بينهما على نقاط
تكون وسطا بين مطالبهما المتعارضة تتطلب سعة بال و صبرا و قوة احتمال
كبيرين .
12-ما هو العمر المناسب للحكم؟
ج - يفترض في الحكم ان يكون متوسط السن لا بالصغير المرفوض و لا بالكبير
المهيوب لكي ينفتح عليه الخصمان فليس مناسبا في العادة الحكم بسن العشرين
فهو لم يستحكم عقله و رشده و لا بسن الثمانين فهو في العادة ضعيف
الاستيعاب حاد المزاج ذو مفاهيم مغايرة لمفاهيم الزوجين فينبغي ان يكون
الحكم غير منفصل عن الفئة العمرية او الجيل الذي ينتمي اليه الزوجان قادرا
على ادراك و فهم نوعية المشكلة فقد تكون المشكلة بسبب استخدام الانترنت
او عمل ذا طبيعة خاصة فقد يكون الحكم غير مستوعب لماهية ما يختلف عليه
الزوجان خصوصا اذا كان من جيل اخر ذو ثقافة مغايرة منبتة الصلة مع ثقافة و
جيل الزوجين و افضل ما يكون عمر الحكم ما بين 35و 60 سنة .
12-هل للقاضي سلطة في اجبار الحكم على القيام بالعمل او بمتابعة العمل
ج - في حال تم اعتماد شخص او اشخاص كمحكمين او حكام من اجل التوفيق بين
الازواج او ترتيب انفصالهم بهدوء و بأكبر قدر ممكن من الاتفاق فان الذي
نميل اليه هو وجوب قبولهم التحكيم بين الازواج كيفما و اينما و حيثما كانوا
بمعنى ليس لهم الحق في رفض التحكيم بينهم من دون عذر مقبول حيث يعتبر
استخراج رخصة التحكيم و التلبس بهذه الوظيفة بمثابة ايجاب على غرار من
يفتح دكانا او حلاقا او مطعما و يكون من قبيل العذر المقبول المانع
الادبي او الخشية من بطش احد الطرفين او تضمن الخلاف بين الزوجين لجوانب
لا يحسن الحكم التعامل معها او تستعصي عليه .
هذا من جانب و لكن من جانب آخر فقد يبدأ الحكم العمل و ينجز بعض مراحله ثم
يبدوا له التخلي عنه فان للقاضي متى قدر ان المصلحة تقتضي اكمال العمل الذي
بداه الحكم فله اجباره طالما كان تخليه بلا سبب معقول او مقبول و هاهنا
نقطة مهمة على المحكمة مراعاتها و هي محتملة الحدوث جدا و هي حالة ما اذا
تحول الحكم الى خصم كان اصطدم بأحد الخصمين او تجاوز في اداء عمله بحيث
بات واضحا انه لا يقوم بعمله بحيث ما تقتضيه وظيفة الحكم و انما تحول
للدفاع عن وجهة نظر احد الطرفين و انحاز لها ففي هذه الحالة يتوجب عزله و
استبداله و لكن بقرار مسبب لكيلا تضطرب الامور و لكي يحسن ضبطها .
على صلة بما تقدم ذكره فقد يرفع الحكمان تقريرهما للمحكمة فترى المحكمة ان
التقرير لم يسلط الضوء على بعض النقاط المهمة كما ينبغي و لم يتناولها
بالتمحيص بالقدر اللازم او انه اغفل بعض النقاط التي ظهرت او اثيرت و لم
يبحثها او ارتأت المحكمة لدى مقاربتها و مقارنتها بين التقرير و بين اوراق
الدعوى ان هناك ما يستوجب بحثه و تمحيصه فإن لها ان تعيد المأمورية
للحكمين و تكلفهما ببحث تلك النقاط و المسائل اما اذا اكتنف بعض اجزاء
التقرير غموض فان ذلك لا يستوجب اعادة المأمورية للحكمين و انما تستدعيهما
منفردين او مجتمعين – بحسب ما تراه- لاستيضاح المسائل و النقاط الغامضة
التي وردت بالتقرير .
تتبع