أثار انضمامه إلى حزب «الحرية والعدالة» الذى أسسته
جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا العديد من التساؤلات فى الأوساط القبطية،
كونه من أبرز الكتاب والمفكرين الأقباط، ولأنه اعتاد على إعلان مواقفه
(التى قد لا ترضى بعض أبناء ديانته)، فتح قلبه فى هذا الحوار، شارحا
الأسباب التى دعته إلى مغادرة حزبه القديم (الوسط)، والذى كان أحد أبرز
مؤسسيه، وتناول كذلك ما دعاه إلى الانخراط فى حزب الجماعة، ولم يفته أن
يتناول آخر المستجدات على صعيد «ملف الفتنة الطائفية».
إنه المفكر والكاتب القبطى البارز رفيق حبيب، الذى التقته «الشروق» فكان هذا الحوار..
● ما الذى دفعك للانضمام لحزب الإخوان؟
ــ
فى الحقيقة تجربة الحزب السياسى لجماعة الإخوان المسلمين هى تجربة مهمة لى
لأنها تضع برنامجا سياسيا يمثل إطارا للعمل المشترك بين المنتمين للجماعة
وغير المنتمين لها وهذا شىء مهم للغاية ومحاولة إنجاحها مسألة مهمة جدا
بالنسبة لى، لأنه سيطرح أطرا للعمل المشترك فى العمل السياسى، لأن المجتمع
يتحقق تماسكه بأن تكون هناك أطر متعددة للعمل ومتداخلة إلى جانب أن فكرة
وجود حركة اجتماعية تؤسس حزبا سياسيا أمر مهم وتمثل مرحلة حاسمة فى تاريخ
المجتمع المصرى. وتمت دعوتى من قبل الجماعة ــ لأنها مهتمة بانضمام الأقباط
خصوصا أن لدى الكثير من الكتابات والحوارات مع الجماعة ــ حتى أكون من
المؤسسين، ووافقت وعرض على برنامج الحزب فى إحدى مسوداته وعبرت عن رأيى فيه
لوكيل مؤسسى الحزب ولكنى لم أكن ضمن اللجان التى وضعت برنامج الحزب
وبالفعل انضممت إلى الحزب.
● وما المهام التى تنتظرك بعد ترشحك لمنصب نائب رئيس الحزب؟
ــ
على حد علمى، الجماعة لم ترشح أحدا آخر لتولى هذا المنصب، وسيتم حسم الأمر
خلال أيام قليلة، وهناك الآن اتجاهان داخل الجماعة، الأول بشأن مهام نواب
رئيس الحزب، ويستند إلى إحدى مسودات الحزب التى تضع اختصاصات كل نائب، أما
الاتجاه الثانى فيتمثل فى أن يحدد رئيس الحزب مهام كل نائب على حدة دون أن
تكون هذه المهام محددة بلائحة الحزب والأمر سيحسم بعد الانتهاء من تأسيس
الحزب بعد عرضه على المكتب التنفيذى للحزب.
● بعض الأقباط فسر ترشيحك لمنصب نائب رئيس الحزب بأنه محاولة من الإخوان لاستقطابهم؟
ــ غير صحيح بالمرة، فأنا لم أحاول دعوة أى قبطى للانضمام للحزب ولم يطلب منى ذلك من قيادات الإخوان.
● كم عدد الأقباط الذين انضموا إلى الحزب حتى الآن؟
ــ على حد علمى عددهم وصل لمائة قبطى من مختلف المحافظات وليس من بينهم أى من المشاهير الأقباط.
● لماذا قبلت الانضمام إلى حزب الإخوان ولم تنضم إلى حزب الوسط الذى كنت أحد مؤسسيه؟
ــ لأنه لم يعد يتفق معى.
● هل تسعى لتنظيم حوارات بين الإخوان والأقباط لتقريب وجهات النظر؟
ــ
حوارى مع الإخوان لنقل وجهات النظر وتقريبها وتشخيص المشكلات وحلها وهذا
لا يعنى أن أشارك بشكل مباشر فى إقامة حوارات بين المسيحيين والإخوان، وإن
كنت بالفعل عقدت ندوة فى نقابة الصحفيين بين قيادات قبطية والإخوان. وجزء
من حوارى معهم يتركز فى أن نتجاوز الهواجس المثارة حاليا حول محاولة
الإخوان السيطرة على الحكم، خصوصا أن الجماعة من جانبها مهتمة بإزالة هذه
المخاوف لدى المسيحيين وتسعى لأن يعرف جموع المسيحيين حقيقة تنظيمهم. وهذا
هو السبب الرئيسى وراء طرح الإخوان لفكرة الحوار مع الأقباط، وحدثت مناقشات
بينى وبين الجماعة حول كيفية تفعيل هذه المبادرة وتنفيذها، وإزالة العقبات
التى قد تحول دون إتمامها، علما بأن هذه الحوارات بين الكنيسة والإخوان
كانت قائمة فى التسعينيات من القرن الماضى، من خلال دعوة كل طرف للآخر فى
إفطار رمضان وإفطار الوحدة الوطنية. ولكن مع الأسف الكنيسة القبطية رفضت
الحوار فى الفترة الحالية وأرجعت رفضها إلى أنها تريد الابتعاد عن المجال
السياسى.
● هناك من يفسر مبادرة الإخوان للحوار مع الكنيسة بأنها محاولة للالتفاف السياسى من أجل كسب أصوات الأقباط.. ما تعليقك؟
ــ
أراها وجهة نظر غير دقيقة، بدليل أن الإخوان استطاعوا الحصول على 88 مقعدا
فى برلمان 2005 دون أن يكون هناك حوار مع الأقباط، فالجماعة تبحث عن إجراء
حوار بالمعايشة، وهذا ما نحاول تحقيقه الآن من أجل إجراء عدة حوارات مع
الأقباط فى الجمعيات الأهلية والمشاركة فى الأنشطة الاجتماعية، وهنا سيتعرف
كل طرف على الآخر وهذه هى إحدى الرؤى التى طرحتها على الإخوان.
● ألا ترى أن ما يتردد عن أن السلفيين وراء أحداث أطفيح وقنا ثم إمبابة قد يؤثر على شعبية الجماعة فى الفترة المقبلة؟
ــ
أصبح من الواضح للإعلام والمجتمع أن هناك مجموعات صغيرة من السلفيين وراء
هذه الأحداث وليس كل التيار السلفى، بدليل عدم وقوف أى من قيادات السلف
وراء هذه الأحداث التى رفضتها وأعتقد أن المجتمع بدأ يدرك ان ليس كل
السلفيين متطرفين خصوصا فى ظل مناخ الحرية الذى نعيشه بعد إسقاط النظام
السابق.
● لماذا إيمانك بالمشروع الحضارى
الإسلامى العربى الذى سبق أن تبناه حزب العمل ثم حزب الوسط فيما بعد على
الرغم من اختلاف الأمر مع عقيدتك الدينية؟
ــ المتابع لكتاباتى
يدرك أن لدى قناعات، وهى عبارة عن قراءة للمجتمع المصرى القائم على الهوية
العربية الإسلامية، والمنتمى للحضارة الإسلامية التى شارك المسيحيون فى
بنائها، وأنا كباحث أرى أن الحضارة الإسلامية هى حضارة محافظة متدينة شرقية
قائمة على مرجعية الدين، ولأن دين الأغلبية هو الإسلام فالمرجعية هى
الحضارة الإسلامية، ولو كان الأقباط يمثلون الأغلبية لكانت الحضارة المصرية
ذات مرجعية مسيحية، ومن قناعاتى أيضا أن هناك مساحة كبيرة مشتركة بين
القيم الاجتماعية المسيحية الشرقية فى مصر وبين القيم الاجتماعية الإسلامية
من حيث القواعد والعادات والمواقف الاجتماعية والمبادئ على الرغم من
اختلاف العقيدة والعبادة، وهذا التداخل دليل على أننا جميعا ننتمى لحضارة
واحدة كما أننى أرى أنه لا يمكن أن ينهض المجتمع المصرى إلا من خلال مشروع
نهضة ينتمى للحضارة الإسلامية إلى جانب أن الحركات الإسلامية تقوم بدورها
داخل هذا المشروع من خلال تشكيل أحزاب سياسية فهى تشكل إطارا للعمل المشترك
بين المسلمين والمسيحيين
● هل ترى أن مصر على أبواب حرب أهلية إذا تكررت حوادث الفتنة الطائفية؟
ــ
كان من الممكن حدوث ذلك فى ظل نظام مبارك، لأنه خلال الفترة من 2005 وحتى
عام 2010 شهدت مصر العديد من حوادث الفتنة الطائفية، وخصوصا فى العام
الأخير لنظام مبارك، بدءا من أحداث نجع حمادى وانتهاء بأحداث كنيسة
القديسين بالإسكندرية، والدليل أن أسباب الاحتقان كانت تتسارع وتيرتها يوما
بعد يوم، والنظام كان يتعامل معها بتأمين نفسه بأن يأخذ صف الكنيسة مرة
والمسلمين مرة أخرى وهذا ما كان سيدفع البلد للخوض فى حرب أهلية، ولكن هذه
الأسباب بدأت فى التلاشى بعد الثورة لأن هناك رغبة لدى مختلف فئات الشعب فى
إحداث التغيير وحل مشكلات الاحتقان الطائفى وهناك تغيير واضح فى خطاب
الدولة تجاه مثل هذه الأحداث عما كان يحدث فى عهد مبارك كما أن تكرار حوادث
الفتنة سببه غياب الأمن ولهذا أصبح من الضرورى إعادة الأمن فورا.
● كيف تنظر إلى معالجة الكنيسة لقضية كاميليا شحاتة؟
ــ
معالجة الكنيسة للقضية كانت غير موفقة لأنه عقب أزمة وفاء قسطنطين كان من
البديهى للمراقبين والكنيسة أن هذا الملف لم يغلق، ولكن الكنيسة راهنت على
غلقه، وجاءت حادثة كاميليا وتعمدت الكنيسة التعامل معها بنفس طريقة
معالجتها للقضية الأولى، وكان من المعروف والمنطقى أن تكرار هذه الحوادث
ومعالجتها بظهور كاميليا عبر شريط فيديو سيؤدى إلى أزمة كبرى. وحتى الآن
مازالت الكنيسة تراهن وتصّر على معالجة هذا الملف بنفس الاسلوب وأصبح هناك
شبهة فى أن الكنيسة احتجزت سيدة شرعت فى التحول إلى الإسلام أو غيرت دينها
بالفعل وهذا ليس دور الكنيسة ولا يوجد مبرر قانونى لهذا. والسبب فى التعامل
مع قضيتى وفاء وكاميليا بنفس الطريقة هو أنهما زوجتا كاهنين، وأتصور أن
البعض فى الكنيسة رأى أن هناك مخاطر تواجه المسيحيين، وأن أسلمة زوجات
الكهنة يعرض الكنيسة لخطر أكبر ويمس هيبتها.
● كيف ترى العلاقة بين الكنيسة والدولة بعد ثورة 25 يناير؟
ــ
علاقة الكنيسة بالدولة تاريخيا كانت إدارية، وفى عهد مبارك كانت العلاقة
مع النخبة الحاكمة وبعد سقوط النظام انتهت هذه العلاقة السياسية ولم يبق
أمام الكنيسة إلا أن تلجأ إلى مؤسسات الدولة وهذا سيحدث لأن الكنيسة لديها
مطالب بشأن فتح الكنائس المغلقة والسماح ببناء أخرى جديدة وتعديل قانون
الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس.
الشروق _أحمد السعداوى