في عهد ولاية الخليفة علي بن أبي طالب، شعر أحد الناس بدنو أجله، ولم يكن موجوداً عنده لا زوجة، ولا ولد، فزوجته متوفية منذ زمن بعيد، وابنه كان مع جيوش المسلمين في الجهاد
فخاف أن تنهب ثروته البالغة ألف ليرة ذهبية، بحال ملاقاته وجه ربه، فلا أحد في المنزل يحرسه، أو يقيم فيه، فما كان من الرجل إلا أن استدعى جاره( علقمة)، وعندما حضر إليه قام بتسليمه الألف ليرة ذهبية، وقال له بحضور الشهود الموجودين عندما يحضر ابني من الجهاد ( أعطه ما أحببت واحتفظ بالباقي لك ) . وبعد فترة من الزمن توفي الرجل، ثم عاد ابنه من السفر، وأخذ يبحث عن أموال أبيه فلم يعثر عليها. فلاقاه جاره علقمة، وكاشفه بقصته مع والده وناوله مئة ليرة ذهبية، وقال له إن الباقي هو مبلغ تسعمائة ليرة ذهبية، لقد احتفظت بهم لنفسي. نزولاً عند وصية والدك. استاء الشاب كثيراً من هذا العرض، وقال للرجل وكأنك أصبحت أنت الوريث لوالدي، وأنا الغريب عنه، والله لن أقبل بهذا العرض، وإنني سأشكيك إلى الخليفة، فقال له الرجل تعالى لنذهب سوياً إلى القاضي العادل ابن عم الرسول، فذهبا وعندما مثلا أمامه، روى الرجل له الرواية ووافقه الشاب عليها، ثم أبدى الرجل للخليفة، عن استعداه لإحضار شهوده الذين كانوا حاضرين مجلس الاتفاق حال حياة المرحوم والد الشاب. والذين سمعوا ما قاله المرحوم له بالحرف الواحد بقوله المذكور أعلاه (أعطي ابني ما أحببت واحتفظ بالباقي لك )، فلم يطلب الخليفة شهود الرجل وقال له صدقناك، وان القضية محسومة بينكما، وإنني سأقوم الآن بإصدار الحكم بحسب وصية والد الشاب وعلى ضوء الأقوال التي سمعتها.... فسأل الخليفة الشاب قائلاً له كم معك من المال الذي أعطاك إياه خصمك، أجابه الشاب: معي مئة ليرة ذهبية، ثم سأل الخليفة الرجل قائلاً له: كم معك الآن من المبلغ موضوع الخلاف، فأجابه الرجل معي تسعمائة ليرة ذهبية، فقال الخليفة لهما، إنني أحكم بينكما أن تتبادلا المبالغ، بحيث يأخذ الشاب التسعمائة ليرة، ويأخذ الرجل المائة ليرة، فصاح الرجل مندهشاً وكيف يكون ذلك يا أقضى القضاة، كيف تخالف الاتفاق وتخالف إرادة الطرفين.... فأجابه الخليفة قائلاً له: أنا لم أخالف اتفاقك مع المرحوم، ولم انقض وصيته إليك بل إن حكمي جاء تنفيذاً لها وتطبيقاً حرفياً لما قاله لك المتوفي بعبارته التي مؤداها(( أعطي ابني ما أحببت وأحتفظ بالباقي لك)) وأنت أيها الرجل لقد أحببت مبلغ التسعمائة ليرة ذهبية بدليل انك احتفظت بها لنفسك... فهذا المبلغ الذي أحببته أعطه للشاب، وخذ الباقي وهو مبلغ المائة ليرة..... وعندما سئل الخليفة عن تبرير هذا الحكم وتعليله لغوياً أجاب إن قول المرحوم(أعطي ابني ما أحببت )إن تقديره يعود على المال، وليس على العطاء، أي أعطي ابني ما أحببت من المال وليس ما أحببت من العطاء، ولو كان تقدير الجملة على العطاء لصح رأي الرجل وفق الحكم الذي حكمه لنفسه. منقول