يصعب دوما الحديث عن المفكرين؛ ويعود ذلك لغزارة نتاجهم الفكري وكثرة عطائهم. وعند التوقف إزاء مفكر قومي كبير بحجم الدكتور عصمت سيف الدولة نجد هذه الصعوبة، لكننا نجد في عبارة "ما لم يدرك كله لا يترك كله" أكبر محفز لنا للبحث في منجزه القومي والحضاري والإنساني، وليس فقط منجزه الفكري فهو يشكل تجربة حية على تجسيده الصارم لما يدعو الجميع له ويطالبهم به.
فـ"سيف الدولة" يعد أحد العقول القومية الواعية بحق بالفكر الذي نظر له ومارسه فعلا، سواء بأمور أمته وقضاياها المتشعبة أو لطبيعة المرحلة التي مرت بها ليوفق في مرحلة صعبة بين ما كان يعد متناقضا ويوائم بين العروبة والإسلام، وليقضي حياته منافحًا للظالمين، ومكافحًا من أجل المظلومين.
1 التكوين
2 بين الفلسفة والواقع
3 نظرية جدل الإنسان
4 الدكتاتورية انحطاط أخلاقي
5 بين العروبة والإسلام
6 تنبؤ بالمستقبل
7 الأديب الفنان
8 مؤلفاته
8.1 مؤلفات فكرية
8.2 فكرية قانونية
8.3 أدبية
9 فكر عصمت سيف الدولة
التكوين
ولد "عصمت سيف الدولة" في (20 أغسطس 1923) في جو من الهدوء والفقر، في قرية "الهمامية" وهي قرية صغيرة بمركز "البداري" بمحافظة أسيوط في مصر.
وكانت تلك البيئة يترافق معها ضيق الرزق والمكان، ورغم ذلك فإنها اتسعت لجميع الناس بالحب والرحابة والتعاون، وشكلت له تلك البيئة مجموعة من القناعات في مقدمتها أن الناس سواسية، وهو ما ولد عنده منطق رفض الظلم مهما كان مصدره.
ومن والده الشيخ "عباس سيف الدولة" تعلم أن يصبح رجلاً صلبًا مقاتلاً متعلمًا، فوالده كثيرًا ما خاض المعارك في قريته "الهمامية" من أجل تعديل الخريطة الاجتماعية، وحاول الابن أن يكمل هذه المعارك وعلى نطاق أوسع ثم أوسع، فيسعى لذلك أولاً على مستوى بلده مصر ثم على مستوى الوطن العربي كله.
وبعد أن أكمل "عصمت" تعليمه الأساسي انتقل إلى القاهرة، تلك المدينة الصاخبة ذات الطبقات الاجتماعية المتفاوتة تفاوتا صارخا؛ فأعلن الحرب على ما يخالف مبادئه وما تربى عليه من قيم التعاون والإخاء.
وقد حصل على ليسانس الحقوق عام (1946م) من جامعة القاهرة، ثم على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام (1951م) ودبلوم الدراسات العليا في القانون العام عام (1952م) من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات العليا في القانون عام (1955م) من جامعة باريس، ثم الدكتوراة في القانون (1957م) من جامعة باريس.
بين الفلسفة والواقع
لم يكن "عصمت سيف الدولة" كاتبًا أو فيلسوفًا يعكف على القرطاس والقلم متفرغًا لصياغة النظريات والأفكار، بل كان يصوغ أفكاره ونظرياته في أشكال مجسدة يراها الناس عيانًا بيانًا تسير بينهم مطبقة.
ففي عام (1967م) وبعد هزيمة مصر في تلك الحرب، نجده يتعالى على الهزيمة فلم يقف عندها، ولكن ذهب يبحث عن أسبابها وما أدى إليها، ليعلن بقوة دون خشية أن هناك منافقين، وأنهم هم السبب في الهزيمة، وهؤلاء هم حاشية السلطة.
وفي أول أيام حكم السادات تم القبض عليه ليتهم بإنشاء تنظيم قومي هدفه قلب أنظمة الحكم في الوطن العربي، وهو ما سمي بعد ذلك بتنظيم "عصمت سيف الدولة" فاعتقل لأول مرة في (15/2/1972م) وحتى صيف (1973م).
ومع ذلك لم يثنه السجن عن صرامته، ولم يوهن من عزيمته في الدفاع عن المظلومين، ففي (1977م) وقف يدافع عن الشعب الذي خرج للشارع في مظاهرات صاخبة يطالب بحقوقه في 18و19 من يناير، وهو ما أطلقت عليه الحكومة حينها "انتفاضة الحرامية" وقام رجال الشرطة بالقبض على العشرات والزج بهم في السجون، فخرج سيف الدولة ليعلن أن ليس هؤلاء هم "الحرامية"، بل إن الحرامي الأصلي هو من هدد لقمة عيش المواطن، وعرفت المرافعة حينها باسم "دفاعًا عن الشعب". كما اعتقل مرة أخرى (5/9/1981م).
ومن يتتبع إنتاج "عصمت سيف الدولة" الفكري يلحظ ذلك كله وبوضوح فقد كتب: "أسس الاشتراكية العربية"، و"نظرية الثورة العربية"، و"الطريق إلى الوحدة العربية"، و"المقاومة من وجهة نظر قومية"، و"هل كان عبد الناصر ديكتاتورا؟"، و"حكم بالخيانة"، و"هذه المعاهدة"، و"هذه الدعوة إلى الاعتراف المستحيل"، و"الاستبداد الديمقراطي"، و"عن العروبة والإسلام"، وغيرها وهي كلها عبارة عن اشتباكات في معارك مع قوى وأفكار سائدة في أوقاتها.
نظرية جدل الإنسان
تعتبر حرية الإنسان من أشد ما اهتم به "سيف الدولة" فكان يبحث دائمًا عما يحرر الإنسان أو يساعده على ذلك؛ وكان من الأفكار المنتشرة، في ذلك الوقت، نظريتا "الجدلية المثالية"، و"الجدلية المادية"، حيث اعتبرت الأولى التطور الاجتماعي قائمًا بالأساس على الفكر، بينما رأت الثانية أن التحرر يقوم على المادة.
أما "سيف الدولة" فحمل رؤية مختلفة حيث أشار إلى أنه يلزم لإحداث تطور اجتماعي أن يتحرر الإنسان من قيود المادة، وبناءً عليه يستطيع أن يبدع في الأفكار التي ينتج عنها لا محالة عملية التطور الاجتماعي، كما قام بتخصيص كتابه "الأسس" لطرح "جدل الإنسان" واختبار صحته في عدد من القضايا مثل: الديمقراطية، والحرية، وحركة التاريخ، والاشتراكية، الأمة، القومية، والوحدة، والتنظيم والأخلاق وغيرها. وكانت عملية الاختبار تتم عن طريق تطبيق هذه الأمور على منهج جدل الإنسان ثم عرضها على المادية الجدلية مثلاً.
ولخص نظرية جدل الإنسان في كتابه "المنطلقات" فيقول: "ما دام انضباط الأشياء والظواهر في حركتها من الماضي إلى المستقبل بقوانين أو نواميس حتمية شرطًا أوليًّا لإمكان تغيير الواقع، فإن تغيير واقعنا مهما تكن صعوبته هو أمر ممكن، وبهذا تسقط مبررات اليأس والسلبية، ولا يبقى إلا أن نعرف كيف نحقق هذا الممكن وهو ما تقوم به نظرية جدل الإنسان".
كما يؤكد على أن الطبيعة بدون الإنسان ليست متطورة، فهي معه وبه متحولة من شكل إلى آخر، وهو بذلك يفرق بين التحول والتطور، مشيرا إلى أن الجدل متركز بالأساس في الإنسان، فهو مدفوع دائمًا لإشباع حاجته المادية والمعنوية، وهذا هو الباعث على حركة الإنسان وتطوره. ولذلك نجده يؤمن بقيمة الإنسان، وقيمة إبداعه الذي من المستحيل أن يأتي دون حرية، فالإبداع والعبودية لا يجتمعان.
الدكتاتورية انحطاط أخلاقي
كان لسيف الدولة نظرية في الأخلاق ضمنها في كتابه "أسس الاشتراكية العربية" فيقول في أحد صفحاته: "إن الإنسان إذ يبدع مستقبله، يتوقف نجاحه على المعرفة الشاملة بالظروف، وإن هذا لا يتم إلا بالمساهمة الجماعية في هذه المعرفة، ثم الاشتراك في تصميم الحل، بحكم أن المشكلات من ماض مشترك، وأن المستقبل للجميع.. وهذا يقتضى اتصال الظروف بوعي الناس كما هو بغير تحريف، وأن التعبير عن الظروف بغير صدق ليس تعويقًا للتطور فحسب، بل تضليلا يهدر الجهود الإنسانية".
كما يعتبر في مكان آخر أن الاستبداد بالرأي والتبرم بالناس والضيق بآرائهم انحرافات خلقية، لهذا يدعو المواطن العربي للتبرؤ من النزوع الديكتاتوري والتسلط، فالديمقراطية عنده فضيلة خلقية ونظام سياسي معًا، والديكتاتورية انحطاط خلقي.
وباسترجاع شريط حياته ومواقفه العامة والخاصة نجده شديد الحرص على ضبط سلوكياته الخاصة من رؤيته الأخلاقية، رغم معاناته في عشرات المواقف كي يحقق لنفسه هذا الانضباط، وهذا جعله يجني ثروة لا تقدر بثمن من السلام الداخلي مع النفس.
بين العروبة والإسلام
من القضايا التي شغلت ذهن "عصمت سيف الدولة" سؤال أخذ جدلا واسعا هو: هل نحن أمة العرب أم أمة الإسلام، وهل حضارتنا حضارة عربية أم حضارة إسلامية؟
وأصدر في هذا الشأن كتابا بعنوان: "عن العروبة والإسلام" عام (1986م) شرح فيه موقفه من العروبة والإسلام كاشفا أنهما لا يتعارضان مطلقا بل يكمل كل منهما الآخر.
وفيه يقول: "هناك طائفة تناهض العروبة بالإسلام، لو كانت حسنة النية في الدعوة إلى إقامة نظام إسلامي في الوطن العربي فإن مناهضتها العروبة تهزم غاية دعوتها، وإن كانت سيئة النية تريد أن تنقض الحضارة العربية القومية فإنها ستفشل كما فشل البروتستانت في الولايات المتحدة الأمريكية".
ويضيف: "وهناك طائفة تناهض الإسلام بالعروبة، لو كانت حسنة النية في الدعوة إلى التقدم العربي حتى على الطريق الأوربي فإن مناهضتها الإسلام بالعروبة تهزم غاية دعوتها، وإن كانت سيئة النية تريد أن تنقض الحضارة العربية الإسلامية فإنها ستفشل كما فشل الروس السوفييت في اتحاد الجمهوريات السوفيتية".
تنبؤ بالمستقبل
كان "عصمت" من المفكرين الذين يعايشون الناس أفراحهم وأتراحهم فقد أكسبته هذه المعايشة قدرة عالية على استنباط الأحكام والتنبؤ بالأحداث. ففي عام 1970 كتب "المقاومة الفلسطينية من وجهة نظر قومية" تحدث فيه عن أن منظمة التحرير الفلسطينية ستعترف بالعدو الصهيوني وتقيم معه معاهدات وعلاقات ومفاوضات، وهو ما كان بالفعل.
وفي مارس 1979م كتب: "هذه المعاهدة" وتكلم فيها عن كيف أن كامب ديفيد ستؤدي إلى انهيار كامل في بنية النظام العربي عامة والمجتمع المصري بخاصة.
أما في عام 1982م فقد كتب مقالة شهيرة بعنوان "أيها الشباب العربي هذه فرصتكم لتحرير فلسطين" دعا فيها إلى استثمار الفرصة التاريخية لبدء حرب شعبية تبدأ بلبنان ولا تنتهي فيه.
وفي عام 1979 ألف كتيبًا بعنوان: "رأسماليون وطنيون.. ورأسمالية خائنة" حذر فيه من بيع القطاع العام وخصخصته، مؤكدًا على حق الشعب في هذه الهيئات والمصالح.
الأديب الفنان
لا يخفى على أحد العلاقة بين الأديب والمفكر، فالمفكر أديب يعبر عن هموم أمته وهمومه عن طريق صياغة الأفكار، والأديب مفكر يعبر عن همومه وهموم من حوله عن طريق صياغة الأبيات الشعرية أو المقطوعات النثرية أو النصوص الأدبية، وإذا اجتمع الأدب مع الفكر أخرج لنا عملاً لا يملك أحد أمامه إلا الانبهار، وهو ما كان مع الأديب المفكر "عصمت سيف الدولة".
فعندما طلب منه أن يكتب مذكراته الشخصية آثر أن يكتب سيرة قريته التي تربى فيها ثم سيرة والده الذي أخذ عنه الكثير، فكتب "مذكرات قرية"، ثم كتب "مشايخ جبل البداري"، بالإضافة لذلك فقد كان فنانًا أنتج فنًا تشكيليًّا رائعًا خاصة في سنوات السجن، كما كتب عددًا من الروايات والمسرحيات ذات الطابع الفكري والسياسي والفلسفي.
وأخيرا كان لمواقفه السياسية أثرها في ألا تجعل من اسمه اسمًا لامعًا إعلاميًّا، لا قبل موته ولا بعده، رغم اعتراف المثقفين الحقيقيين بدوره.
وقد رحل سيف الدولة المدافع عن الأرض في يوم الأرض، في (30 مارس 1996) بعد أن خاض معارك ضارية كثيرة دافع خلالها عن حرية الإنسان والأرض العربية.
مؤلفاته
1- مؤلفات فكرية
أسس الاشتراكية العربية
نظرية الثورة العربية
الطريق إلى الوحدة العربية
مشكلة فلسطين من وجهة نظر قومية
هل كان عبد الناصر ديكتاتورا؟
حكم بالخيانة
هذه المعاهدة
هذه الدعوة إلى الاعتراف المستحيل
الاستبداد الديمقراطي
عن العروبة والإسلام
عن الناصريين و اليهم
حوار مع الشباب العربي
النظام النيابي و مشكلة القومية
وحدة القوي العربية التقدمية
2- فكرية قانونية
دفاع عن ثورة مصر العربية
دفاع عن الشعب
3- أدبية
مذكرات قرية
مشايخ جبل البداري
فكر عصمت سيف الدولة
عصمت سيف الدولة تأثر بفترة التغيرات العالمية ما بعد الحرب العالمية الثانية و حركة التحرر الوطني و انتشار الأفكار القومية بعد قيام ثورة يوليو في مصر و الاتجاه نحو الأفكار القومية العربية و الإشتراكية. سعي نحو إيجاد الأساس الفكري النظري للقومية و الإشتراكية العربية. و كان لذلك اهميته بالنسبة للفكر القومي في فترة المد الأيديولوجي الشيوعي. كتب مؤلفا في الفلسفة أسماه جدل الإنسان في مقابل جدل المادة لماركس. و اعتبره بمثابة الأساس النظري لـ "نظرية الثورة العربية". نشر في المؤلف أفكارا عن الحرية و تطور المجتمعات الانسانية و قوانين تطورها و اعتبر ان الانسان محور و غاية للتطور. منقول
تخوف المتهمين من وكالته فكان السبب فى انقاذ رقابهم من الاعدام
يروى هذه الواقعه احد المتهمين فى اكبر القضايا السياسيه المعاصره يقول إن المحامى الشهير و
المفكر الكبير د/ عصمت سيف الدولة حينما كنا نحاكم في القضية الكبرى التي
سميت "قضية الجهاد الكبرى" والتي أعقبت قضية "السادات" .. وكان عدد
المتهمين فيها 302متهاما ً .. أما قضية "الانتماء للجماعة الإسلامية
والجهاد التابعة لها" فكانت تضم أكثر من 400متهم .. وهي أكبر القضايا في
تاريخ مصر القضائي والسياسي .
- وقد تطوع د/ عصمت
سيف الدولة – رحمه الله – مشكورا ً للدفاع عن الشيخ كرم زهدي دون أجر رغم
مكانته الكبيرة كعالم من علماء القانون .
- ولكن بعض المحامين
المتدينين وقتها نصح الشيخ كرم بعدم قبول د/ عصمت محاميا ً له في القضية
.. لأن له ميول يسارية ولأنه كتب الكتاب الأخضر (وهو الكتاب الذي يشرح فكر
الثورة الليبية ).
- ولكن الأستاذ فريد
عبد الكريم المحامي رحمه الله قال للشيخ كرم هذا الرجل مفكر عظيم .. وهو
لا يأتي للدفاع عن أي أحد .. وقد قرأ ملف القضية واختارك بالذات للدفاع
عنك لرجولتك فاجلس معه وسوف تعرف ذلك بنفسك .
- وفعلا ً استأذن الدكتور/ عصمت سيف الدولة من المستشار العظيم/ عبد الغفار محمد - وهو من أعظم القضاة في تاريخ مصر الحديث - للجلوس مع الشيخ كرم فأذن له.
- وبعد أن جلس الاثنان سويا ً لبعض الوقت خرج الشيخ كرم ليوافق فورا ً على توكيل د/ عصمت للدفاع عنه .. بل ويعلن ترحيبه بذلك .
- وقد سألت الشيخ كرم
عن سر تغييره لرأيه مباشرة فقال لي: أنا عندي قرون استشعار تشعر بالرجال
الشجعان.. وقد شعرت أن د/ عصمت رجل وطني شجاع .. وقد أتى للدفاع عنا بحق
.. وليس للرياء أو السمعة أو المنظرة.
- وفعلا ً أبلى د/
عصمت سيف الدولة كعادته بلاءً حسنا ً في مرافعة رائعة لم نعرف قيمتها
وقتها حينما كنا شبابا ً.. حتى تقابلنا بعد قرابة 16عاما ً مع المستشار
عبد الغفار بعد أن أصبح محاميا ً وجاء ليزور الإخوة في قضية المحجوب في
السجن .
- فسألناه: من أثر
فيك من المحاميين ورسخ عندك القناعة بنبل مقصدنا كما ذكرت في الحيثيات
وجعلك تخفف الأحكام عن الإخوة ولا تحكم عليهم بالإعدام؟
- فقال: ثلاثة من
المحاميين أولهم د/ عصمت سيف الدولة.. وحينها تفكرنا في هذا الأمر طويلا
ً.. وقلنا سبحان الله.. الرجل الذي كنا نريد رفض عونه ومساعدته ودفاعه كان
سببا ً من أسباب نجاتنا من الإعدامات.
- لقد تعلمنا من هذا
الدرس العلمي حكمة تربوية عالية تحتاجها الحركة الإسلامية دائما ً.. وهي
ألا ترفض كمسلم يدا ً امتدت إليك بالخير والعون والمساعدة مهما كانت هذه
اليد.. وما دام العون هو على الخير والمعروف.
- وعليك ألا تشترط على ربك هوية وشخصية وتدين من يرسله لك لعونك وإنقاذك من المحن.. "فللـَّه جنود السموات والأرض".
- ومن أدراك أن هذه المحنة سينقذك منها التقى والورع والذي فيه كذا وكذا من فكر الحركة الإسلامية ؟ .
- ومن أدراك أن هذا الرجل سينصرك .. فقد يخذلك لظرف أو آخر.. أو عذر أو آخر ؟
- ألم يشك عمر بن الخطاب إلي ربه كثيرا ً عجز التقي ؟
- وقد دارت الأيام دورتها وأصبح د/ عصمت سيف الدولة من المحبين للحركة الإسلامية والعارفين لفضلها.
- بل إنه رفض أن يهاجمها أو يهجوها أو يقسو عليها في محنتها وذلك لرجولته .
- بل إنه كان يرى أن شباب الحركة الإسلامية هو خير من يصلح لخدمة الوطن والدفاع عنه.
- وكان من أنصار التحالف بين الحركة الإسلامية والتيار القومي لمصلحة الوطن.
- واليوم تذكرت هذه
القصة وهذا الدرس التربوي العظيم الذي تعلمناه في شبابنا من د/ عصمت سيف
الدولة .. وقد أحببت أن أسوقه لشباب الحركة الإسلامية الحديث حتى يشكر من
أحسن إليه .. ويكرمه ويعرف قدره وقيمته .. ولا يتنكر لفضله مهما كان فكره
وتوجهه ..
من مقالاته
خفايا كامب ديفيد
د. عصمت سيف الدولة
1ـ ننتهز فرصة الإحتفال بيوم 25 أبريل ذكري عودة طابا لنضع تحت نظر المواطنين ما خفى من إتفاقيات كامب ديفيد، مع التأكيد على أن ما سنذكره، منقولا من مواثيقه:
التفريط : 2ـ فى يوم 22 مارس 1975 قال أنور السادات فى خطابه إلى مجلس الشعب :
" من ناحيتنا كنا نعرف ما نريد . إنسحاب جديد من سيناء يشمل المضايق والبترول. هذا الإنسحاب يتصل بخطوات متماثلة على الجبهة السورية والجبهة الفلسطينية .. ولا نريد إنهاء حالة الحرب وثلثى سيناء سوف يظل حتى بعد المرحلة المقترحة من الإنسحاب تحت إحتلال العدو .
ثم كيف نريد أو نملك إنهاء حالة الحرب ولم يظهر تحرك على الجولان. ولا ظهرت نية تحرك من الضفة الغربية أو من غزة أولا وقبل كل شئ من القدس ؟. كيف نريد ذلك أو نملكه عمليا وكيف نريد ذلك تاريخيا " . وقال يوم 4 يونيو سنة 1975 فى حديث إلى التليفزيون اللبنانى :" إنه لايمكن أن توافق مصر على إنهاء حالة الحرب وهناك جندى واحد إسرائيلى على الأرض العربية وإلا كان معنى هذا .. دعوة للإسرائيليين لأن يبقوا على الأرض العربية ".
ولقد استطاع ـ رحمه الله ـ بتمسكه القوى بعدم إنهاء حالة الحرب إلا بعد تحرر الأرض العربية أن يقنع الأمريكين والإسرائيلين بترك مطلب إنهاء الحرب قبل الجلاء.
ولكن بدون إنتظار ، وبدون مقابل ، وبدون ضمان ، وبصرف النظر عما إذا كان الإتفاق سينفذ أم لا ينفذ تضمنت الوثائق الموقعة يوم 26 مارس سنة 1979 ، المسماة " معاهدة السلام " التزاما صريحا ينفذ ويصبح أمرا واقعا فور تبادل التصديقات على المعاهدة ، مضامينه هى : إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل
( المادة الأولى فقرة 1 من الوثيقة الرئيسية ) .
الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد إسرائيل على نحو مباشر أو غير مباشر ( المادة الثالثة فقرة 1 بند ج ) . كفالة عدم صدور أى فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل مصر حتى لو لم تكن صادرة من قوات خاضعة لسيطرة مصر أو مرابطة على أرضها إذا كانت تلك الأفعال موجهة ضد سكان إسرائيل أو مواطنيها أو ممتلكاتها ، الامتناع عن التنظيم والتحريض أو المساعدة والإشتراك فى أى فعل من أفعال الحرب أو أفعال العدوان أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد إسرائيل فى أى مكان فى العالم ومحاكمة أى مصرى يقيم فى أى مكان فى العالم أو أى أجنبى فى مصر ينظم أو يحرض أو يساعد أو يشترك فى أى فعل عنف ضد إسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 2 ) .
الإمتناع عن أية دعاية ضد اسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 3 من البروتوكول ) . فتح قناة السويس لمرور السفن والشحنات الإسرائيلية ( المادة الخامسة فقرة 1) . فتح مضايق تيران للملاحة البحرية والجوية لإسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 2 ).
السيادة :
3ـ تنص المعاهدة فيما يسمى " الملحق العسكرى " على أنه لايجوز لمصر أن تنشئ أى مطارات حربية فى أرض سيناء ( المادة 2 فقرة 5 ) كما لايجوز لها لأن تستعمل المطارات التى ستخليها إسرائيل فى أغراض حربية ( المادة 5 فقرة 3 ). ولايجوز لمصر أن تنشئ أية موانى عسكرية فى أى موقع على شواطئ سيناء ( على البحر الأبيض أو خليج السويس أو خليج العقبة ) ولا أن يستخدم أسطولها الحربى الموانئ التى بها ( المادة 4 فقرة " أ" و " ه" ).
ولا يجوز لمصر أن تحتفظ شرق قناة السويس وإلى مدى 58 كيلو مرا تقريبا ( لم تنشر الخرائط الرسمية لنقول تحديدا) بأكثر من فرقة مشاة ميكانيكية واحدة لا يزيد مجمل أفرادها عن 22 ألفا وتزيد أسلحتها عن 126 قطعة مدفعية و126 مدفعا مضادا للطائرات عيار 37 مم و230 دبابة و48 عربة مدرعة من جميع الأنواع .
ولايجوز لهذه القوة المحددة العدد والسلاح أن تخطو خطوة واحدة ولو لإجراء مناورات تدريبية شرق الخط المحدد لها بين أرض وطنها وبقية أرض وطنها ( المادة الثانية فقرة 2 بند 2و3 من الملحق العسكرى ).
لايجوز لمصر أن تكون لها شرق الخط المشار إليه أية قوة عسكرية مقاتلة أو مسلحة بأسلحة قتالية من أى نوع كان. عادت سيناء ، وأربعة أخماس سيناء منزوعة السلاح .
أما بالنسبة إلى الأمن فتتولى حفظه قوات الشرطة المدنية المصرية. على أنه فى منطقة تمتد من حوالى 58 كيلو مترا شرق القناة إلى خط يبدأ من قرية الشيخ زويد على البحر الأبيض المتوسط (شرق العريش) وينتهى عند رأس محمد ( غرب شرم الشيخ ) ويبعد عن حدود مصر الشرقية بحوالى 33 كيلو مترا ، يجوز لمصر أن تستكمل " مهمة البوليس المدنى فى حفظ النظام " .
( هكذا يقول النص ) بقوة حرس حدود بشرط ألا تزيد عن أربعة كتائب وأن يقتصر تسليحها على الأسلحة الخفيفة والعربات ( المادة 2 فقرة أ بند ب من الملحق العسكرى ) ولايجوز لأن تساعدها ـ بحريا ـ إلا زوارق خفر الحدود المسلحة تسليحا خفيفا على أن يقتصر نشاطها على المياه الإقليمية فى هذه المنطقة ( الماد الرابعة فقرة 2 من الملحق العسكرى ) . أما باقى سيناء على طول الحدود الشرقية بعمق 33 كيلو مترا تقريبا ، بما فيها شرم الشيخ ومضايق تيران وشواطئ خليج العقبة فلا يجوز لمصر أن يكون لها إلا شرطة مدنية فقط . لاقوات ولا حرس حدود ولا بوارج ولا زوارق ( المادة 5 فقرة 2 من الملحق العسكرى ).
هذه هى سيناء التى " تحررت ".
ارض الوطن بين الحرب والسلام :ـ
ليست الحرب مباراة رياضية بل هي صراع وحشي . ان الذين يسقطون ضحايا في الحروب، ونسميهم شهداء، ونشيد بهم وقد نقيم لهم النصب التذكارية ليسوا اعداء بل هم بشر متعددون . لا بد ان يكون كل منهم قد عانى - قبل أن يموت -
أفظع الآلام التي يمكن أن يعانيها البشر. ثم انهم بشر من أسر، يموتون ويخلفون لاسرهم مع العزاء النفسي الموقوت الثكل واليتم والحزن وانقلابا لا شك يصيب كل أسرة في اسلوب معيشتها وآمالها بعد ان تكون قد فقدت أحد، أو اكثر عناصرها البشرية. ثم ان هؤلاء البشر، الشهداء، ضحايا الحروب، هم بشر من مجتمع يفقدهم مجتمعهم ويفقد معهم كل ما تدمره أو تخربه أو تبدده الحروب من مصادر للثروات وموارد للتنمية وفرص للتعليم والثقافة وتقدم نحو حياة أفضل . باختصار ان الحرب ليست صراعا وحشيا فقط بل هي أداة تخريب بشري واقتصادي واجتماعي وثقافي..
من هنا تصدق الدعوة إلى السلام ، على أساس ان السلام ، والسلام وحده، هو الشرط الذي لا بد منه للتقدم البشري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، حيث يتفرغ في كل مجتمع لاداء وظيفتهم الانسانية الاصيلة، الصراع ضد ظروفهم المادية لتوظيف مواردهم المتاحة من اجل مزيد من اشباع حاجاتهم المادية والثقافية المتجددة أبدا . أعني تطوير مجتمعهم الى مجتمع الرخاء والحرية. الرخاء والحرية لكل فرد فيهم . وفي ظل الرخاء والحرية تتاح الظروف الموضوعية للابداع الانساني والتقدم الى ما لا نهاية… غير ان استمرار كل هذا يكون متوقفأ على أن تظل الموارد المادية المتاحة في كل مجتمع متاحة له بدون انتقاص . وليس من اللازم أن يكون أي مجتمع في كل زمان عارفا بكامل الموارد المادية المتاحة له، غير ان الانسان المبدع ، القادر، الذي لا يتوقف ولا يمكن ان يتوقف، عن التقدم الاجتماعي كاتجاه تاريخي نام أبدا بصرف النظرعن تعرجاته المرحلية، كفيل ؛ في ظل السلام ، ان يحيط معرفة بكل ما يملك وأن يستثمره استثمارا مطرد التفوق في أدواته ووسائله الى أن يحول كل ذرة تراب الى لبنة في بناء الرخاء والحرية. وهذا هو ما فرض على البشرية من قبل ، ويفرض عليها اليوم ، وسيفرض عليها غدا، القيمة المتساوية لكل ذرة تراب من، ارض الوطن فلا تفرط في ، ولا تتنازل عن، شبر من أرض الوطن حتى لوكان الشبر مستنقعا من الماء العفن ، أو كان بقعة مجهولة في فيافي الصحارى التي لم تكتشف بعد ، ويسمون مثل هذا التفريط أو التنازل خيانة . وهي ليست خيانة لانها هدم أو تعويض لبناء اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي قائم فعلا، وليس من الضروري أن تكون كذلك . انها خيانة ان لم تكن لحياة قائمة متوقفة عليها فلحياة قادمة ستقوم عليها. وبهذا تكتسب الوطنية أو الخيانة البعد التاريخي الذي يصل ما بين أقصى الماضي وبين أقصى المستقبل . وتصبح أرض الوطن وكل ذرة من ترابه ملكية تاريخية مشتركة بين الاجيال المتعاقبة، وتصبح الوطنية هي الحفاظ لا على ارض الوطن كما هي في زمن معين فحسب بل الحفاظ على بقاء ملكيتها التاريخية للاجيال القادمة، وتصبح الخيانة الوطنية أو الاعتداء على الوطن ليس مجرد حالة قائمة تهدد الوضع القائم، بل حالة قائمة تهدد الوضع القادم، ولهذا يموت الناس، أي يفقدون علاقتهم باوطانهم نهائيا، من أجل الاحتفاظ باستمرارية الوطن للاجيال القادمة.
اذن،
فان الدعوة الى السلام، والسلام الفعلي ، لا يمكن أن يأخذ أحدهما، أو كلاهما، شكلا واحدا في الممارسة ، ذا قيمة واحدة وطنياً بصرف النظر عن علاقة السلام بسلامة أرض الوطن. والدعوة الى السلام بصرف النظر عن علاقة السلام بسلامة ارض الوطن دعوة ان لم تكن مثالية منافقة فهى دعوة انهزامية. وممارسة السلام بصرف النظر عن علاقة السلام بسلامة ارض الوطن ان لم تكن استسلاما للهزيمة فهي خيانة وطنية. وبعكس هذا كله، وفي ظروف تاريخية محددة بان ارض الوطن مسلوبة، تصبح الدعوة الى الحرب التي هي دعوة الى القتل، هي الدعوة الوحيدة الصادقة للسلام . وتصبح الحرب التي هي ممارسة للقتل والتخريب هي الممارسة الوحيدة الصادقة للسلام .
وعندما يبدأ العدوان لا بد أن يبدأ القتال دفعا له ودفاعا عن أرض الوطن . بكل مقياس ذاتي أو موضوعي، سياسي أو ا قتصادي أو اجتماعي، بكل مقياس وطني، اذا تعرضت ارض الوطن للاعتداء يسقط موضوعيا ، الحديث عن السلام في ظل العدوان ، أو الدعوة اليه سواء كانت دعوة الى الوطنيين أو المعتدين ، أو ممارسته ما دامت أرض الوطن لم تتحرر نهائيا، وكل شبر فيها، نقول يسقط موضوعيا لان العدوان كظرف موضوعي يجعل من الدعوة الى القتال وممارسته هي الدعوة الوحيدة والممارسة التي لا ممارسة غيرها، الصاد قة موضوعيا من أجل السلام .
ليس مفهوم السلام وحده هو الذي يتغير فيصيب
فـ"سيف الدولة" يعد أحد العقول القومية الواعية بحق بالفكر الذي نظر له ومارسه فعلا، سواء بأمور أمته وقضاياها المتشعبة أو لطبيعة المرحلة التي مرت بها ليوفق في مرحلة صعبة بين ما كان يعد متناقضا ويوائم بين العروبة والإسلام، وليقضي حياته منافحًا للظالمين، ومكافحًا من أجل المظلومين.
1 التكوين
2 بين الفلسفة والواقع
3 نظرية جدل الإنسان
4 الدكتاتورية انحطاط أخلاقي
5 بين العروبة والإسلام
6 تنبؤ بالمستقبل
7 الأديب الفنان
8 مؤلفاته
8.1 مؤلفات فكرية
8.2 فكرية قانونية
8.3 أدبية
9 فكر عصمت سيف الدولة
التكوين
ولد "عصمت سيف الدولة" في (20 أغسطس 1923) في جو من الهدوء والفقر، في قرية "الهمامية" وهي قرية صغيرة بمركز "البداري" بمحافظة أسيوط في مصر.
وكانت تلك البيئة يترافق معها ضيق الرزق والمكان، ورغم ذلك فإنها اتسعت لجميع الناس بالحب والرحابة والتعاون، وشكلت له تلك البيئة مجموعة من القناعات في مقدمتها أن الناس سواسية، وهو ما ولد عنده منطق رفض الظلم مهما كان مصدره.
ومن والده الشيخ "عباس سيف الدولة" تعلم أن يصبح رجلاً صلبًا مقاتلاً متعلمًا، فوالده كثيرًا ما خاض المعارك في قريته "الهمامية" من أجل تعديل الخريطة الاجتماعية، وحاول الابن أن يكمل هذه المعارك وعلى نطاق أوسع ثم أوسع، فيسعى لذلك أولاً على مستوى بلده مصر ثم على مستوى الوطن العربي كله.
وبعد أن أكمل "عصمت" تعليمه الأساسي انتقل إلى القاهرة، تلك المدينة الصاخبة ذات الطبقات الاجتماعية المتفاوتة تفاوتا صارخا؛ فأعلن الحرب على ما يخالف مبادئه وما تربى عليه من قيم التعاون والإخاء.
وقد حصل على ليسانس الحقوق عام (1946م) من جامعة القاهرة، ثم على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام (1951م) ودبلوم الدراسات العليا في القانون العام عام (1952م) من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات العليا في القانون عام (1955م) من جامعة باريس، ثم الدكتوراة في القانون (1957م) من جامعة باريس.
بين الفلسفة والواقع
لم يكن "عصمت سيف الدولة" كاتبًا أو فيلسوفًا يعكف على القرطاس والقلم متفرغًا لصياغة النظريات والأفكار، بل كان يصوغ أفكاره ونظرياته في أشكال مجسدة يراها الناس عيانًا بيانًا تسير بينهم مطبقة.
ففي عام (1967م) وبعد هزيمة مصر في تلك الحرب، نجده يتعالى على الهزيمة فلم يقف عندها، ولكن ذهب يبحث عن أسبابها وما أدى إليها، ليعلن بقوة دون خشية أن هناك منافقين، وأنهم هم السبب في الهزيمة، وهؤلاء هم حاشية السلطة.
وفي أول أيام حكم السادات تم القبض عليه ليتهم بإنشاء تنظيم قومي هدفه قلب أنظمة الحكم في الوطن العربي، وهو ما سمي بعد ذلك بتنظيم "عصمت سيف الدولة" فاعتقل لأول مرة في (15/2/1972م) وحتى صيف (1973م).
ومع ذلك لم يثنه السجن عن صرامته، ولم يوهن من عزيمته في الدفاع عن المظلومين، ففي (1977م) وقف يدافع عن الشعب الذي خرج للشارع في مظاهرات صاخبة يطالب بحقوقه في 18و19 من يناير، وهو ما أطلقت عليه الحكومة حينها "انتفاضة الحرامية" وقام رجال الشرطة بالقبض على العشرات والزج بهم في السجون، فخرج سيف الدولة ليعلن أن ليس هؤلاء هم "الحرامية"، بل إن الحرامي الأصلي هو من هدد لقمة عيش المواطن، وعرفت المرافعة حينها باسم "دفاعًا عن الشعب". كما اعتقل مرة أخرى (5/9/1981م).
ومن يتتبع إنتاج "عصمت سيف الدولة" الفكري يلحظ ذلك كله وبوضوح فقد كتب: "أسس الاشتراكية العربية"، و"نظرية الثورة العربية"، و"الطريق إلى الوحدة العربية"، و"المقاومة من وجهة نظر قومية"، و"هل كان عبد الناصر ديكتاتورا؟"، و"حكم بالخيانة"، و"هذه المعاهدة"، و"هذه الدعوة إلى الاعتراف المستحيل"، و"الاستبداد الديمقراطي"، و"عن العروبة والإسلام"، وغيرها وهي كلها عبارة عن اشتباكات في معارك مع قوى وأفكار سائدة في أوقاتها.
نظرية جدل الإنسان
تعتبر حرية الإنسان من أشد ما اهتم به "سيف الدولة" فكان يبحث دائمًا عما يحرر الإنسان أو يساعده على ذلك؛ وكان من الأفكار المنتشرة، في ذلك الوقت، نظريتا "الجدلية المثالية"، و"الجدلية المادية"، حيث اعتبرت الأولى التطور الاجتماعي قائمًا بالأساس على الفكر، بينما رأت الثانية أن التحرر يقوم على المادة.
أما "سيف الدولة" فحمل رؤية مختلفة حيث أشار إلى أنه يلزم لإحداث تطور اجتماعي أن يتحرر الإنسان من قيود المادة، وبناءً عليه يستطيع أن يبدع في الأفكار التي ينتج عنها لا محالة عملية التطور الاجتماعي، كما قام بتخصيص كتابه "الأسس" لطرح "جدل الإنسان" واختبار صحته في عدد من القضايا مثل: الديمقراطية، والحرية، وحركة التاريخ، والاشتراكية، الأمة، القومية، والوحدة، والتنظيم والأخلاق وغيرها. وكانت عملية الاختبار تتم عن طريق تطبيق هذه الأمور على منهج جدل الإنسان ثم عرضها على المادية الجدلية مثلاً.
ولخص نظرية جدل الإنسان في كتابه "المنطلقات" فيقول: "ما دام انضباط الأشياء والظواهر في حركتها من الماضي إلى المستقبل بقوانين أو نواميس حتمية شرطًا أوليًّا لإمكان تغيير الواقع، فإن تغيير واقعنا مهما تكن صعوبته هو أمر ممكن، وبهذا تسقط مبررات اليأس والسلبية، ولا يبقى إلا أن نعرف كيف نحقق هذا الممكن وهو ما تقوم به نظرية جدل الإنسان".
كما يؤكد على أن الطبيعة بدون الإنسان ليست متطورة، فهي معه وبه متحولة من شكل إلى آخر، وهو بذلك يفرق بين التحول والتطور، مشيرا إلى أن الجدل متركز بالأساس في الإنسان، فهو مدفوع دائمًا لإشباع حاجته المادية والمعنوية، وهذا هو الباعث على حركة الإنسان وتطوره. ولذلك نجده يؤمن بقيمة الإنسان، وقيمة إبداعه الذي من المستحيل أن يأتي دون حرية، فالإبداع والعبودية لا يجتمعان.
الدكتاتورية انحطاط أخلاقي
كان لسيف الدولة نظرية في الأخلاق ضمنها في كتابه "أسس الاشتراكية العربية" فيقول في أحد صفحاته: "إن الإنسان إذ يبدع مستقبله، يتوقف نجاحه على المعرفة الشاملة بالظروف، وإن هذا لا يتم إلا بالمساهمة الجماعية في هذه المعرفة، ثم الاشتراك في تصميم الحل، بحكم أن المشكلات من ماض مشترك، وأن المستقبل للجميع.. وهذا يقتضى اتصال الظروف بوعي الناس كما هو بغير تحريف، وأن التعبير عن الظروف بغير صدق ليس تعويقًا للتطور فحسب، بل تضليلا يهدر الجهود الإنسانية".
كما يعتبر في مكان آخر أن الاستبداد بالرأي والتبرم بالناس والضيق بآرائهم انحرافات خلقية، لهذا يدعو المواطن العربي للتبرؤ من النزوع الديكتاتوري والتسلط، فالديمقراطية عنده فضيلة خلقية ونظام سياسي معًا، والديكتاتورية انحطاط خلقي.
وباسترجاع شريط حياته ومواقفه العامة والخاصة نجده شديد الحرص على ضبط سلوكياته الخاصة من رؤيته الأخلاقية، رغم معاناته في عشرات المواقف كي يحقق لنفسه هذا الانضباط، وهذا جعله يجني ثروة لا تقدر بثمن من السلام الداخلي مع النفس.
بين العروبة والإسلام
من القضايا التي شغلت ذهن "عصمت سيف الدولة" سؤال أخذ جدلا واسعا هو: هل نحن أمة العرب أم أمة الإسلام، وهل حضارتنا حضارة عربية أم حضارة إسلامية؟
وأصدر في هذا الشأن كتابا بعنوان: "عن العروبة والإسلام" عام (1986م) شرح فيه موقفه من العروبة والإسلام كاشفا أنهما لا يتعارضان مطلقا بل يكمل كل منهما الآخر.
وفيه يقول: "هناك طائفة تناهض العروبة بالإسلام، لو كانت حسنة النية في الدعوة إلى إقامة نظام إسلامي في الوطن العربي فإن مناهضتها العروبة تهزم غاية دعوتها، وإن كانت سيئة النية تريد أن تنقض الحضارة العربية القومية فإنها ستفشل كما فشل البروتستانت في الولايات المتحدة الأمريكية".
ويضيف: "وهناك طائفة تناهض الإسلام بالعروبة، لو كانت حسنة النية في الدعوة إلى التقدم العربي حتى على الطريق الأوربي فإن مناهضتها الإسلام بالعروبة تهزم غاية دعوتها، وإن كانت سيئة النية تريد أن تنقض الحضارة العربية الإسلامية فإنها ستفشل كما فشل الروس السوفييت في اتحاد الجمهوريات السوفيتية".
تنبؤ بالمستقبل
كان "عصمت" من المفكرين الذين يعايشون الناس أفراحهم وأتراحهم فقد أكسبته هذه المعايشة قدرة عالية على استنباط الأحكام والتنبؤ بالأحداث. ففي عام 1970 كتب "المقاومة الفلسطينية من وجهة نظر قومية" تحدث فيه عن أن منظمة التحرير الفلسطينية ستعترف بالعدو الصهيوني وتقيم معه معاهدات وعلاقات ومفاوضات، وهو ما كان بالفعل.
وفي مارس 1979م كتب: "هذه المعاهدة" وتكلم فيها عن كيف أن كامب ديفيد ستؤدي إلى انهيار كامل في بنية النظام العربي عامة والمجتمع المصري بخاصة.
أما في عام 1982م فقد كتب مقالة شهيرة بعنوان "أيها الشباب العربي هذه فرصتكم لتحرير فلسطين" دعا فيها إلى استثمار الفرصة التاريخية لبدء حرب شعبية تبدأ بلبنان ولا تنتهي فيه.
وفي عام 1979 ألف كتيبًا بعنوان: "رأسماليون وطنيون.. ورأسمالية خائنة" حذر فيه من بيع القطاع العام وخصخصته، مؤكدًا على حق الشعب في هذه الهيئات والمصالح.
الأديب الفنان
لا يخفى على أحد العلاقة بين الأديب والمفكر، فالمفكر أديب يعبر عن هموم أمته وهمومه عن طريق صياغة الأفكار، والأديب مفكر يعبر عن همومه وهموم من حوله عن طريق صياغة الأبيات الشعرية أو المقطوعات النثرية أو النصوص الأدبية، وإذا اجتمع الأدب مع الفكر أخرج لنا عملاً لا يملك أحد أمامه إلا الانبهار، وهو ما كان مع الأديب المفكر "عصمت سيف الدولة".
فعندما طلب منه أن يكتب مذكراته الشخصية آثر أن يكتب سيرة قريته التي تربى فيها ثم سيرة والده الذي أخذ عنه الكثير، فكتب "مذكرات قرية"، ثم كتب "مشايخ جبل البداري"، بالإضافة لذلك فقد كان فنانًا أنتج فنًا تشكيليًّا رائعًا خاصة في سنوات السجن، كما كتب عددًا من الروايات والمسرحيات ذات الطابع الفكري والسياسي والفلسفي.
وأخيرا كان لمواقفه السياسية أثرها في ألا تجعل من اسمه اسمًا لامعًا إعلاميًّا، لا قبل موته ولا بعده، رغم اعتراف المثقفين الحقيقيين بدوره.
وقد رحل سيف الدولة المدافع عن الأرض في يوم الأرض، في (30 مارس 1996) بعد أن خاض معارك ضارية كثيرة دافع خلالها عن حرية الإنسان والأرض العربية.
مؤلفاته
1- مؤلفات فكرية
أسس الاشتراكية العربية
نظرية الثورة العربية
الطريق إلى الوحدة العربية
مشكلة فلسطين من وجهة نظر قومية
هل كان عبد الناصر ديكتاتورا؟
حكم بالخيانة
هذه المعاهدة
هذه الدعوة إلى الاعتراف المستحيل
الاستبداد الديمقراطي
عن العروبة والإسلام
عن الناصريين و اليهم
حوار مع الشباب العربي
النظام النيابي و مشكلة القومية
وحدة القوي العربية التقدمية
2- فكرية قانونية
دفاع عن ثورة مصر العربية
دفاع عن الشعب
3- أدبية
مذكرات قرية
مشايخ جبل البداري
فكر عصمت سيف الدولة
عصمت سيف الدولة تأثر بفترة التغيرات العالمية ما بعد الحرب العالمية الثانية و حركة التحرر الوطني و انتشار الأفكار القومية بعد قيام ثورة يوليو في مصر و الاتجاه نحو الأفكار القومية العربية و الإشتراكية. سعي نحو إيجاد الأساس الفكري النظري للقومية و الإشتراكية العربية. و كان لذلك اهميته بالنسبة للفكر القومي في فترة المد الأيديولوجي الشيوعي. كتب مؤلفا في الفلسفة أسماه جدل الإنسان في مقابل جدل المادة لماركس. و اعتبره بمثابة الأساس النظري لـ "نظرية الثورة العربية". نشر في المؤلف أفكارا عن الحرية و تطور المجتمعات الانسانية و قوانين تطورها و اعتبر ان الانسان محور و غاية للتطور. منقول
تخوف المتهمين من وكالته فكان السبب فى انقاذ رقابهم من الاعدام
يروى هذه الواقعه احد المتهمين فى اكبر القضايا السياسيه المعاصره يقول إن المحامى الشهير و
المفكر الكبير د/ عصمت سيف الدولة حينما كنا نحاكم في القضية الكبرى التي
سميت "قضية الجهاد الكبرى" والتي أعقبت قضية "السادات" .. وكان عدد
المتهمين فيها 302متهاما ً .. أما قضية "الانتماء للجماعة الإسلامية
والجهاد التابعة لها" فكانت تضم أكثر من 400متهم .. وهي أكبر القضايا في
تاريخ مصر القضائي والسياسي .
- وقد تطوع د/ عصمت
سيف الدولة – رحمه الله – مشكورا ً للدفاع عن الشيخ كرم زهدي دون أجر رغم
مكانته الكبيرة كعالم من علماء القانون .
- ولكن بعض المحامين
المتدينين وقتها نصح الشيخ كرم بعدم قبول د/ عصمت محاميا ً له في القضية
.. لأن له ميول يسارية ولأنه كتب الكتاب الأخضر (وهو الكتاب الذي يشرح فكر
الثورة الليبية ).
- ولكن الأستاذ فريد
عبد الكريم المحامي رحمه الله قال للشيخ كرم هذا الرجل مفكر عظيم .. وهو
لا يأتي للدفاع عن أي أحد .. وقد قرأ ملف القضية واختارك بالذات للدفاع
عنك لرجولتك فاجلس معه وسوف تعرف ذلك بنفسك .
- وفعلا ً استأذن الدكتور/ عصمت سيف الدولة من المستشار العظيم/ عبد الغفار محمد - وهو من أعظم القضاة في تاريخ مصر الحديث - للجلوس مع الشيخ كرم فأذن له.
- وبعد أن جلس الاثنان سويا ً لبعض الوقت خرج الشيخ كرم ليوافق فورا ً على توكيل د/ عصمت للدفاع عنه .. بل ويعلن ترحيبه بذلك .
- وقد سألت الشيخ كرم
عن سر تغييره لرأيه مباشرة فقال لي: أنا عندي قرون استشعار تشعر بالرجال
الشجعان.. وقد شعرت أن د/ عصمت رجل وطني شجاع .. وقد أتى للدفاع عنا بحق
.. وليس للرياء أو السمعة أو المنظرة.
- وفعلا ً أبلى د/
عصمت سيف الدولة كعادته بلاءً حسنا ً في مرافعة رائعة لم نعرف قيمتها
وقتها حينما كنا شبابا ً.. حتى تقابلنا بعد قرابة 16عاما ً مع المستشار
عبد الغفار بعد أن أصبح محاميا ً وجاء ليزور الإخوة في قضية المحجوب في
السجن .
- فسألناه: من أثر
فيك من المحاميين ورسخ عندك القناعة بنبل مقصدنا كما ذكرت في الحيثيات
وجعلك تخفف الأحكام عن الإخوة ولا تحكم عليهم بالإعدام؟
- فقال: ثلاثة من
المحاميين أولهم د/ عصمت سيف الدولة.. وحينها تفكرنا في هذا الأمر طويلا
ً.. وقلنا سبحان الله.. الرجل الذي كنا نريد رفض عونه ومساعدته ودفاعه كان
سببا ً من أسباب نجاتنا من الإعدامات.
- لقد تعلمنا من هذا
الدرس العلمي حكمة تربوية عالية تحتاجها الحركة الإسلامية دائما ً.. وهي
ألا ترفض كمسلم يدا ً امتدت إليك بالخير والعون والمساعدة مهما كانت هذه
اليد.. وما دام العون هو على الخير والمعروف.
- وعليك ألا تشترط على ربك هوية وشخصية وتدين من يرسله لك لعونك وإنقاذك من المحن.. "فللـَّه جنود السموات والأرض".
- ومن أدراك أن هذه المحنة سينقذك منها التقى والورع والذي فيه كذا وكذا من فكر الحركة الإسلامية ؟ .
- ومن أدراك أن هذا الرجل سينصرك .. فقد يخذلك لظرف أو آخر.. أو عذر أو آخر ؟
- ألم يشك عمر بن الخطاب إلي ربه كثيرا ً عجز التقي ؟
- وقد دارت الأيام دورتها وأصبح د/ عصمت سيف الدولة من المحبين للحركة الإسلامية والعارفين لفضلها.
- بل إنه رفض أن يهاجمها أو يهجوها أو يقسو عليها في محنتها وذلك لرجولته .
- بل إنه كان يرى أن شباب الحركة الإسلامية هو خير من يصلح لخدمة الوطن والدفاع عنه.
- وكان من أنصار التحالف بين الحركة الإسلامية والتيار القومي لمصلحة الوطن.
- واليوم تذكرت هذه
القصة وهذا الدرس التربوي العظيم الذي تعلمناه في شبابنا من د/ عصمت سيف
الدولة .. وقد أحببت أن أسوقه لشباب الحركة الإسلامية الحديث حتى يشكر من
أحسن إليه .. ويكرمه ويعرف قدره وقيمته .. ولا يتنكر لفضله مهما كان فكره
وتوجهه ..
من مقالاته
خفايا كامب ديفيد
د. عصمت سيف الدولة
1ـ ننتهز فرصة الإحتفال بيوم 25 أبريل ذكري عودة طابا لنضع تحت نظر المواطنين ما خفى من إتفاقيات كامب ديفيد، مع التأكيد على أن ما سنذكره، منقولا من مواثيقه:
التفريط : 2ـ فى يوم 22 مارس 1975 قال أنور السادات فى خطابه إلى مجلس الشعب :
" من ناحيتنا كنا نعرف ما نريد . إنسحاب جديد من سيناء يشمل المضايق والبترول. هذا الإنسحاب يتصل بخطوات متماثلة على الجبهة السورية والجبهة الفلسطينية .. ولا نريد إنهاء حالة الحرب وثلثى سيناء سوف يظل حتى بعد المرحلة المقترحة من الإنسحاب تحت إحتلال العدو .
ثم كيف نريد أو نملك إنهاء حالة الحرب ولم يظهر تحرك على الجولان. ولا ظهرت نية تحرك من الضفة الغربية أو من غزة أولا وقبل كل شئ من القدس ؟. كيف نريد ذلك أو نملكه عمليا وكيف نريد ذلك تاريخيا " . وقال يوم 4 يونيو سنة 1975 فى حديث إلى التليفزيون اللبنانى :" إنه لايمكن أن توافق مصر على إنهاء حالة الحرب وهناك جندى واحد إسرائيلى على الأرض العربية وإلا كان معنى هذا .. دعوة للإسرائيليين لأن يبقوا على الأرض العربية ".
ولقد استطاع ـ رحمه الله ـ بتمسكه القوى بعدم إنهاء حالة الحرب إلا بعد تحرر الأرض العربية أن يقنع الأمريكين والإسرائيلين بترك مطلب إنهاء الحرب قبل الجلاء.
ولكن بدون إنتظار ، وبدون مقابل ، وبدون ضمان ، وبصرف النظر عما إذا كان الإتفاق سينفذ أم لا ينفذ تضمنت الوثائق الموقعة يوم 26 مارس سنة 1979 ، المسماة " معاهدة السلام " التزاما صريحا ينفذ ويصبح أمرا واقعا فور تبادل التصديقات على المعاهدة ، مضامينه هى : إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل
( المادة الأولى فقرة 1 من الوثيقة الرئيسية ) .
الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد إسرائيل على نحو مباشر أو غير مباشر ( المادة الثالثة فقرة 1 بند ج ) . كفالة عدم صدور أى فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل مصر حتى لو لم تكن صادرة من قوات خاضعة لسيطرة مصر أو مرابطة على أرضها إذا كانت تلك الأفعال موجهة ضد سكان إسرائيل أو مواطنيها أو ممتلكاتها ، الامتناع عن التنظيم والتحريض أو المساعدة والإشتراك فى أى فعل من أفعال الحرب أو أفعال العدوان أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد إسرائيل فى أى مكان فى العالم ومحاكمة أى مصرى يقيم فى أى مكان فى العالم أو أى أجنبى فى مصر ينظم أو يحرض أو يساعد أو يشترك فى أى فعل عنف ضد إسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 2 ) .
الإمتناع عن أية دعاية ضد اسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 3 من البروتوكول ) . فتح قناة السويس لمرور السفن والشحنات الإسرائيلية ( المادة الخامسة فقرة 1) . فتح مضايق تيران للملاحة البحرية والجوية لإسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 2 ).
السيادة :
3ـ تنص المعاهدة فيما يسمى " الملحق العسكرى " على أنه لايجوز لمصر أن تنشئ أى مطارات حربية فى أرض سيناء ( المادة 2 فقرة 5 ) كما لايجوز لها لأن تستعمل المطارات التى ستخليها إسرائيل فى أغراض حربية ( المادة 5 فقرة 3 ). ولايجوز لمصر أن تنشئ أية موانى عسكرية فى أى موقع على شواطئ سيناء ( على البحر الأبيض أو خليج السويس أو خليج العقبة ) ولا أن يستخدم أسطولها الحربى الموانئ التى بها ( المادة 4 فقرة " أ" و " ه" ).
ولا يجوز لمصر أن تحتفظ شرق قناة السويس وإلى مدى 58 كيلو مرا تقريبا ( لم تنشر الخرائط الرسمية لنقول تحديدا) بأكثر من فرقة مشاة ميكانيكية واحدة لا يزيد مجمل أفرادها عن 22 ألفا وتزيد أسلحتها عن 126 قطعة مدفعية و126 مدفعا مضادا للطائرات عيار 37 مم و230 دبابة و48 عربة مدرعة من جميع الأنواع .
ولايجوز لهذه القوة المحددة العدد والسلاح أن تخطو خطوة واحدة ولو لإجراء مناورات تدريبية شرق الخط المحدد لها بين أرض وطنها وبقية أرض وطنها ( المادة الثانية فقرة 2 بند 2و3 من الملحق العسكرى ).
لايجوز لمصر أن تكون لها شرق الخط المشار إليه أية قوة عسكرية مقاتلة أو مسلحة بأسلحة قتالية من أى نوع كان. عادت سيناء ، وأربعة أخماس سيناء منزوعة السلاح .
أما بالنسبة إلى الأمن فتتولى حفظه قوات الشرطة المدنية المصرية. على أنه فى منطقة تمتد من حوالى 58 كيلو مترا شرق القناة إلى خط يبدأ من قرية الشيخ زويد على البحر الأبيض المتوسط (شرق العريش) وينتهى عند رأس محمد ( غرب شرم الشيخ ) ويبعد عن حدود مصر الشرقية بحوالى 33 كيلو مترا ، يجوز لمصر أن تستكمل " مهمة البوليس المدنى فى حفظ النظام " .
( هكذا يقول النص ) بقوة حرس حدود بشرط ألا تزيد عن أربعة كتائب وأن يقتصر تسليحها على الأسلحة الخفيفة والعربات ( المادة 2 فقرة أ بند ب من الملحق العسكرى ) ولايجوز لأن تساعدها ـ بحريا ـ إلا زوارق خفر الحدود المسلحة تسليحا خفيفا على أن يقتصر نشاطها على المياه الإقليمية فى هذه المنطقة ( الماد الرابعة فقرة 2 من الملحق العسكرى ) . أما باقى سيناء على طول الحدود الشرقية بعمق 33 كيلو مترا تقريبا ، بما فيها شرم الشيخ ومضايق تيران وشواطئ خليج العقبة فلا يجوز لمصر أن يكون لها إلا شرطة مدنية فقط . لاقوات ولا حرس حدود ولا بوارج ولا زوارق ( المادة 5 فقرة 2 من الملحق العسكرى ).
هذه هى سيناء التى " تحررت ".
ارض الوطن بين الحرب والسلام :ـ
ليست الحرب مباراة رياضية بل هي صراع وحشي . ان الذين يسقطون ضحايا في الحروب، ونسميهم شهداء، ونشيد بهم وقد نقيم لهم النصب التذكارية ليسوا اعداء بل هم بشر متعددون . لا بد ان يكون كل منهم قد عانى - قبل أن يموت -
أفظع الآلام التي يمكن أن يعانيها البشر. ثم انهم بشر من أسر، يموتون ويخلفون لاسرهم مع العزاء النفسي الموقوت الثكل واليتم والحزن وانقلابا لا شك يصيب كل أسرة في اسلوب معيشتها وآمالها بعد ان تكون قد فقدت أحد، أو اكثر عناصرها البشرية. ثم ان هؤلاء البشر، الشهداء، ضحايا الحروب، هم بشر من مجتمع يفقدهم مجتمعهم ويفقد معهم كل ما تدمره أو تخربه أو تبدده الحروب من مصادر للثروات وموارد للتنمية وفرص للتعليم والثقافة وتقدم نحو حياة أفضل . باختصار ان الحرب ليست صراعا وحشيا فقط بل هي أداة تخريب بشري واقتصادي واجتماعي وثقافي..
من هنا تصدق الدعوة إلى السلام ، على أساس ان السلام ، والسلام وحده، هو الشرط الذي لا بد منه للتقدم البشري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، حيث يتفرغ في كل مجتمع لاداء وظيفتهم الانسانية الاصيلة، الصراع ضد ظروفهم المادية لتوظيف مواردهم المتاحة من اجل مزيد من اشباع حاجاتهم المادية والثقافية المتجددة أبدا . أعني تطوير مجتمعهم الى مجتمع الرخاء والحرية. الرخاء والحرية لكل فرد فيهم . وفي ظل الرخاء والحرية تتاح الظروف الموضوعية للابداع الانساني والتقدم الى ما لا نهاية… غير ان استمرار كل هذا يكون متوقفأ على أن تظل الموارد المادية المتاحة في كل مجتمع متاحة له بدون انتقاص . وليس من اللازم أن يكون أي مجتمع في كل زمان عارفا بكامل الموارد المادية المتاحة له، غير ان الانسان المبدع ، القادر، الذي لا يتوقف ولا يمكن ان يتوقف، عن التقدم الاجتماعي كاتجاه تاريخي نام أبدا بصرف النظرعن تعرجاته المرحلية، كفيل ؛ في ظل السلام ، ان يحيط معرفة بكل ما يملك وأن يستثمره استثمارا مطرد التفوق في أدواته ووسائله الى أن يحول كل ذرة تراب الى لبنة في بناء الرخاء والحرية. وهذا هو ما فرض على البشرية من قبل ، ويفرض عليها اليوم ، وسيفرض عليها غدا، القيمة المتساوية لكل ذرة تراب من، ارض الوطن فلا تفرط في ، ولا تتنازل عن، شبر من أرض الوطن حتى لوكان الشبر مستنقعا من الماء العفن ، أو كان بقعة مجهولة في فيافي الصحارى التي لم تكتشف بعد ، ويسمون مثل هذا التفريط أو التنازل خيانة . وهي ليست خيانة لانها هدم أو تعويض لبناء اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي قائم فعلا، وليس من الضروري أن تكون كذلك . انها خيانة ان لم تكن لحياة قائمة متوقفة عليها فلحياة قادمة ستقوم عليها. وبهذا تكتسب الوطنية أو الخيانة البعد التاريخي الذي يصل ما بين أقصى الماضي وبين أقصى المستقبل . وتصبح أرض الوطن وكل ذرة من ترابه ملكية تاريخية مشتركة بين الاجيال المتعاقبة، وتصبح الوطنية هي الحفاظ لا على ارض الوطن كما هي في زمن معين فحسب بل الحفاظ على بقاء ملكيتها التاريخية للاجيال القادمة، وتصبح الخيانة الوطنية أو الاعتداء على الوطن ليس مجرد حالة قائمة تهدد الوضع القائم، بل حالة قائمة تهدد الوضع القادم، ولهذا يموت الناس، أي يفقدون علاقتهم باوطانهم نهائيا، من أجل الاحتفاظ باستمرارية الوطن للاجيال القادمة.
اذن،
فان الدعوة الى السلام، والسلام الفعلي ، لا يمكن أن يأخذ أحدهما، أو كلاهما، شكلا واحدا في الممارسة ، ذا قيمة واحدة وطنياً بصرف النظر عن علاقة السلام بسلامة أرض الوطن. والدعوة الى السلام بصرف النظر عن علاقة السلام بسلامة ارض الوطن دعوة ان لم تكن مثالية منافقة فهى دعوة انهزامية. وممارسة السلام بصرف النظر عن علاقة السلام بسلامة ارض الوطن ان لم تكن استسلاما للهزيمة فهي خيانة وطنية. وبعكس هذا كله، وفي ظروف تاريخية محددة بان ارض الوطن مسلوبة، تصبح الدعوة الى الحرب التي هي دعوة الى القتل، هي الدعوة الوحيدة الصادقة للسلام . وتصبح الحرب التي هي ممارسة للقتل والتخريب هي الممارسة الوحيدة الصادقة للسلام .
وعندما يبدأ العدوان لا بد أن يبدأ القتال دفعا له ودفاعا عن أرض الوطن . بكل مقياس ذاتي أو موضوعي، سياسي أو ا قتصادي أو اجتماعي، بكل مقياس وطني، اذا تعرضت ارض الوطن للاعتداء يسقط موضوعيا ، الحديث عن السلام في ظل العدوان ، أو الدعوة اليه سواء كانت دعوة الى الوطنيين أو المعتدين ، أو ممارسته ما دامت أرض الوطن لم تتحرر نهائيا، وكل شبر فيها، نقول يسقط موضوعيا لان العدوان كظرف موضوعي يجعل من الدعوة الى القتال وممارسته هي الدعوة الوحيدة والممارسة التي لا ممارسة غيرها، الصاد قة موضوعيا من أجل السلام .
ليس مفهوم السلام وحده هو الذي يتغير فيصيب