شهادة مؤلفة بريطانية رداً علي كراهية الغرب للإسلام
دفاع مسيحي عن محمد
فى أعقاب نشر الرواية الشيطانية «آيات شيطانية» لمؤلفها سلمان رشدى، تجددت الأساطير الملفقة ضد نبى الإسلام فيما بدا وكأن المؤلف يغازل هذه الأساطير طمعاً فى شهرة وجاذبية فى المجتمع الغربى، فالمتوقع أن تثير الرواية موجات الكراهية ضد الإسلام ونبيه، وقتها صدر كتاب «سيرة النبى محمد» الذى أخذ منهج الدراسة فى تقييم سيرة النبى وتأثيره.. مؤلفة الكتاب «كارين أرمسترونج» بريطانية، مسيحية تقدم شهادة موضوعية عن محمد ودينه، ونحن إذ نعيد نشر الفصل الأول بعد حوالى 12 سنة من نشر الكتاب فليس من قبيل الرد على موجات الكراهية المتلاحقة ضد النبى والإسلام، ذلك أنهما أكبر وأعظم من أى موجات مهما كانت هادرة، وإنما نقدم صورة لأسلوب التخاطب الذى يجب أن يكون عندما يتعلق الأمر بالمقدسات عل وعسى أن يتعلم الجهلاء.
كان ولايزال من العسير على أبناء الغرب أن يتفهموا العنف الذى اتسم به رد فعل المسلمين للصورة الخيالية التى رسمها سلمان رشدى للنبى محمد فى رواية «آيات شيطانية»، وكان من الصعب عليهم أن يصدقوا أن رواية من الروايات يمكن أن تثير درجة من الكراهية تصل إلى حد إهدار الدم، وبدا لهم أن رد الفعل الإسلامى دليل على تعصب إسلامى لا يرجى منه بُرء، كما أقض مضاجع أبناء بريطانيا إدراك ما تعتنقه الجاليات الإسلامية فى البلدان التى يقيمون بها من قيم مختلفة، وهى قيم فيما يبدو غريبة عنهم، وأنها على استعداد للدفاع عنها حتى الموت.
ولكن هذه القضية المؤسفة كانت تحمل فى طياتها بعض ما يذكرنا بصفحات من ماضى الغرب، وهى صفحات تبعث على القلق، تُرى هل استطاع أبناء بريطانيا، وهم يشهدون المسلمين المقيمين فى مدينة برادفورد أثناء إحراقهم الرواية المذكورة، أن يقيموا علاقة من لون ما بين ذلك الحدث وبين حوادث إحراق الكتب فى أوروبا المسيحية على مر القرون؟ إذ حدث فى عام 1242م على سبيل المثال أن قام الملك لويس التاسع، ملك فرنسا الذى كان يشغل منصب قديس رسمى فى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بإدانة التلمود اليهودى باعتباره هجوماً خبيثاً على شخص السيد المسيح، ومن ثم أصدار أمراً بحظر الكتاب، وأضرمت النار فى النسخ المصادرة أمام الملك، ولم يكن لويس التاسع على استعداد لمناقشة خلافاته مع الجاليات اليهودية فى فرنسا بالوسائل السلمية والعقلانية وقال ذات يوم إن الأسلوب الوحيد للنقاش مع أحد اليهود هو أن تقتله «بطعنة نافذة فى بطنه إلى أقصى ما يصل إليه السيف».
وكان لويس التاسع هو الذى بدأ الحملة الأولى من محاكم التفتيش، التى كانت تهدف إلى معاقبة المارقين من أبناء المسيحية، ولم يكتف بإحراق كتبهم، بل أحرق المئات من الرجال والنساء، كما كان يبغض المسلمين كذلك، وكان على رأس حملتين من الحملات الصليبية ضد العالم الإسلامى. كان الغرب المسيحى، لا الإسلام، هو الذى لا يطيق التعايش فى زمن لويس التاسع، مع الآخرين، وقد يكون لنا أن نقول إن التاريخ المرير للعلاقات بين المسلمين والغرب قد بدأ بالهجوم على النبى محمد فى إسبانيا المسلمة.
ففى عام 850م خرج راهب يدعى بيرفكتوس إلى السوق فى قرطبة، وكانت عاصمة دولة الأندلس المسلمة، حيث لقيه بعض العرب الذين سألوه أن يفاضل بين النبى عيسى والنبى محمد، وأدرك بيرفكتوس على الفور أن بالسؤال شَرَكاً نصب له، لأن قانون الإمبراطورية الإسلامية كان يقضى بإعدام من يسب النبى محمداً، ومن ثم التزم الحذر فى إجابته أول الأمر ولكن زمامه أفلت فجأة فانطلق يصب وابلاً من الشتائم فزعم أن نبى الإسلام دجال ومولع بالجنس بل إنه المسيح الدجال نفسه، وسرعان ما ألقى به فى السجن.
وكانت تلك حادثة شاذة فى قرطبة، إذ كانت العلاقات طيبة فى العادة بين المسلمين والمسيحيين، وكان المسلمون يسمحون للمسيحيين، مثلما يسمحون لليهود، بالحرية الدينية الكاملة فى أرجاء الإمبراطورية الإسلامية، وكان معظم أهل إسبانيا يعتزون بانتمائهم إلى تلك الثقافة الرفيعة، فقد كانت تسبق سائر أوروبا سبقاً يقاس بالسنين الضوئية، وكان كثيراً ما يطلق عليهم المستعربون:
المسيحيون مولعون بقراءة الأشعار والقصص العربية، وهم يدرسون فقهاء الإسلام وفلاسفته، لا ليدحضوا ما يقولون بل لتصحيح لغتهم العربية وتنميق أسلوبهم، وهل لدينا اليوم من غير رجال الدين من يقرأ التفاسير اللاتينية للكتاب المقدس أو من يدرس الأناجيل أو كتابات الأنبياء والرسل؟ وا أسفا! إن جميع شباب المسيحيين من ذوى المواهب يعكفون على قراءة الكتب العربية ودراستها بحماس.
كان بول الفارو، وهو الإسبانى العلمانى الذى كتب هذا الهجوم على المستعربين فى تلك الفترة أو نحوها، يعتبر الراهب بيرفكتوس بطلاً ثقافياً ودينياً، إذ إن تهجمه على النبى محمد كان قد أثار حركة أقلية ذات طابع غريب فى قرطبة، فكان الرجال والنساء يمثلون أمام القاضى (الذى يقضى بأحكام الإسلام) ويثبتون إخلاصهم للمسيحية بشن هجوم مقذع وانتحارى على النبى.
وعندما وصل بيرفكتوس إلى السجن، كان يرتعد فرقاً ورعباً، ولكن القاضى قرر ألا يصدر حكماً بإعدامه، إذ رأى أنه كان ضحية استفزاز ظالم من المسلمين، ولم يلبث بيرفكتوس، فى غضون أيام معدودة، حتى أفلت زمامه من جديد فطفق يسب نبى الإسلام سباباً بذيئاً لم يُطق القاضى إزاءه إلا تطبيق القانون بكل صرامة، ونُفذ حكم الإعدام فى الراهب، فإذا بجماعة من المسيحيين، الذين كانوا - فيما يبدو - من زعانف المجتمع، يمزقون أوصاله ويضفون هالة من القداسة على رفات «شهيدهم»، وبعد أيام مثل راهب آخر يدعى إسحق أمام القاضى وأخذ يسب محمداً ودين محمد بحرارة جعلت القاضى يظنه مخموراً أو مختل العقل فصفعه على وجهه ليعيده إلى صوابه، ولكن إسحق استمر فى السباب، فلم يجد القاضى بُداً من وضع حد لمثل ذلك الانتهاك الصارخ للقانون.
لم تكن قرطبة فى القرن التاسع تٌشبه مدينة برادفورد عام ,1988 إذ كان المسلمون يتمتعون بالقوة والثقة بالنفس، وكانوا من ثم أبعد ما يكون عن الرغبة فى قتل أولئك المتعصبين المسيحيين: كانوا يرون، أولاً، أن المتعصبين لا يتمتعون فيما يبدو بكامل قواهم العقلية، وكانوا يدركون ثانياً أن أبغض ما يبغضونه هو تقديم شهداء يحاطون بالتقديس، ولم يكن المسلمون ينفرون من الاستماع إلى ما تقوله الأديان الأخرى، فلقد ولد الإسلام فى كنف التعددية الدينية بالشرق الأوسط، حيث تتعايش شتى العقائد على مر القرون،
ففى عام 850م خرج راهب يدعى بيرفكتوس إلى السوق فى قرطبة، وكانت عاصمة دولة الأندلس المسلمة، حيث لقيه بعض العرب الذين سألوه أن يفاضل بين النبى عيسى والنبى محمد، وأدرك بيرفكتوس على الفور أن بالسؤال شَرَكاً نصب له، لأن قانون الإمبراطورية الإسلامية كان يقضى بإعدام من يسب النبى محمداً، ومن ثم التزم الحذر فى إجابته أول الأمر ولكن زمامه أفلت فجأة فانطلق يصب وابلاً من الشتائم فزعم أن نبى الإسلام دجال ومولع بالجنس بل إنه المسيح الدجال نفسه، وسرعان ما ألقى به فى السجن.
وكانت تلك حادثة شاذة فى قرطبة، إذ كانت العلاقات طيبة فى العادة بين المسلمين والمسيحيين، وكان المسلمون يسمحون للمسيحيين، مثلما يسمحون لليهود، بالحرية الدينية الكاملة فى أرجاء الإمبراطورية الإسلامية، وكان معظم أهل إسبانيا يعتزون بانتمائهم إلى تلك الثقافة الرفيعة، فقد كانت تسبق سائر أوروبا سبقاً يقاس بالسنين الضوئية، وكان كثيراً ما يطلق عليهم المستعربون:
المسيحيون مولعون بقراءة الأشعار والقصص العربية، وهم يدرسون فقهاء الإسلام وفلاسفته، لا ليدحضوا ما يقولون بل لتصحيح لغتهم العربية وتنميق أسلوبهم، وهل لدينا اليوم من غير رجال الدين من يقرأ التفاسير اللاتينية للكتاب المقدس أو من يدرس الأناجيل أو كتابات الأنبياء والرسل؟ وا أسفا! إن جميع شباب المسيحيين من ذوى المواهب يعكفون على قراءة الكتب العربية ودراستها بحماس.
كان بول الفارو، وهو الإسبانى العلمانى الذى كتب هذا الهجوم على المستعربين فى تلك الفترة أو نحوها، يعتبر الراهب بيرفكتوس بطلاً ثقافياً ودينياً، إذ إن تهجمه على النبى محمد كان قد أثار حركة أقلية ذات طابع غريب فى قرطبة، فكان الرجال والنساء يمثلون أمام القاضى (الذى يقضى بأحكام الإسلام) ويثبتون إخلاصهم للمسيحية بشن هجوم مقذع وانتحارى على النبى.
وعندما وصل بيرفكتوس إلى السجن، كان يرتعد فرقاً ورعباً، ولكن القاضى قرر ألا يصدر حكماً بإعدامه، إذ رأى أنه كان ضحية استفزاز ظالم من المسلمين، ولم يلبث بيرفكتوس، فى غضون أيام معدودة، حتى أفلت زمامه من جديد فطفق يسب نبى الإسلام سباباً بذيئاً لم يُطق القاضى إزاءه إلا تطبيق القانون بكل صرامة، ونُفذ حكم الإعدام فى الراهب، فإذا بجماعة من المسيحيين، الذين كانوا - فيما يبدو - من زعانف المجتمع، يمزقون أوصاله ويضفون هالة من القداسة على رفات «شهيدهم»، وبعد أيام مثل راهب آخر يدعى إسحق أمام القاضى وأخذ يسب محمداً ودين محمد بحرارة جعلت القاضى يظنه مخموراً أو مختل العقل فصفعه على وجهه ليعيده إلى صوابه، ولكن إسحق استمر فى السباب، فلم يجد القاضى بُداً من وضع حد لمثل ذلك الانتهاك الصارخ للقانون.
لم تكن قرطبة فى القرن التاسع تٌشبه مدينة برادفورد عام ,1988 إذ كان المسلمون يتمتعون بالقوة والثقة بالنفس، وكانوا من ثم أبعد ما يكون عن الرغبة فى قتل أولئك المتعصبين المسيحيين: كانوا يرون، أولاً، أن المتعصبين لا يتمتعون فيما يبدو بكامل قواهم العقلية، وكانوا يدركون ثانياً أن أبغض ما يبغضونه هو تقديم شهداء يحاطون بالتقديس، ولم يكن المسلمون ينفرون من الاستماع إلى ما تقوله الأديان الأخرى، فلقد ولد الإسلام فى كنف التعددية الدينية بالشرق الأوسط، حيث تتعايش شتى العقائد على مر القرون،
وكانت الإمبراطورية البيزنطية المسيحية الشرقية تسمح كذلك بحرية الأقليات الدينية فى ممارسة شعائرها وإدارة شئونها الدينية الخاصة، ولم يكن القانون فى الإمبراطورية الإسلامية يحرم جهود الدعوة المسيحية، بشرط ألا يتعرض المسيحيون فى غضون ذلك للهجوم على النبى محمد، الذى يحبه المسلمون حُباً جماً، بل إن بعض مناطق الإمبراطورية كانت تتسم بوجود تقاليد راسخة من التشكك والتفكير الحر، وكانت تواجه بالتسامح مادامت فى حدود الذوق السليم، وما دامت لم تجنح إلى التجريح، وكان القاضى والأمير فى قرطبة يكرهان الحكم بالإعدام على بيرفكتوس وإسحق، ولكنهما لم يكونا قادرين على السماح بانتهاك القانون على هذا النحو، لكنه لم تمض أيام قلائل على إعدام إسحق حتى وصل ستة رهبان من الدير نفسه، وقاموا بالتهجم على النبى محمد بصورة مقذعة، وبلغ عدد الشهداء الذين لاقوا حتفهم فى ذلك الصيف، بهذا الأسلوب، نحو خمسين، وقد اشترك أسقف قرطبة مع المستعربين فى إدانتهم، إذ انزعج الجميع أشد الانزعاج من تيار تقديس الشهداء الذى جنح فجمح، ولكن الشهداء وجدوا من يدافع عن قضيتهم وهما قسيس يدعى يولوجيو، ويول ألفارو، إذ قال كلاهما إن الشهداء هم من «جنود الله» الذين كانوا يقاتلون ببسالة دفاعاً عن عقيدتهم، وأنهم شنوا هجوما معنوياً معقداً على الإسلام، عجزت السلطات الإسلامية عن رده، لأنه كان فيما يبدو سيثبت أنها على خطأ.
كان الشهداء ينتمون لشتى المستويات الاجتماعية، فكانوا من الرجال والنساء، ومن الرهبان والقسس، ومن غير رجال الدين، ومن البسطاء ومن كبار العلماء، وكان يبدو أن الكثيرين منهم يسعون لتحقيق هوية غربية متميزة واضحة، ويبدو أن بعضهم كان ينتمى إلى أسرات مختلطة، حيث أحد الأبوين مسلم والآخر مسيحى، وكان البعض الآخر يُنصح بأن يستوعب الثقافة الإسلامية استيعاباً كاملا - إذ أُطلقت عليهم أسماء عربية أو عينوا فى وظائف معينة بالحكومة - ومن ثم اختلطت عليهم السبل وأصيبوا بالحيرة، ولا شك أن فقدان الجذور الثقافية قد يحدث قلقاً عميقاً، بل إنه حتى فى أيامنا هذه، قد يؤدى إلى نشوء نزعة تدين تتمسك بروح التحدى والعدوان، وهى النزعة التى تتوسل بها النفس لفك الحصار المضروب حولها، وقد يكون علينا أن نذكر شهداء قرطبة عندما نحار فى فهم نزعة العداء والغضب فى بعض الجاليات الإسلامية فى الغرب، وفى المناطق الأخرى التى تشكل فيها الثقافة الغربية تهديداً للقيم التقليدية، كانت حركة الشهداء التى قادها الفارو ويولوجيو تعارض المستعربين المسيحيين بنفس المرارة التى تعارض بها المسلمين، إذ اتهمتهم بأنهم خونة لثقافتهم.
وقام يولوجيو بزيارة إلى بامبلونا فى البلدة المسيحية المجاورة، وعاد يحمل كتباً غربية: نصوصاً باللاتينية كتبها آباء الكنيسة ومؤلفات رومانية كلاسيكية من تأليف فيرجيل وجوفينال، كان يطمح فى مقاومة استعراب مواطنيه الإسبان، وإبداع نهضة لاتينية تتوقد حنيناً وشوقاً إلى الماضى الرومانى لبلده، فذلك من سبل إحباط تأثير الثقافة الإسلامية السائدة، ولكن الحركة خبت وتدهورت عندما أصدر القاضى حكمه بإعدام يولوجيو، وقد طلب القاضى إليه أن ينجو بأن يعلن اسميا قبوله الإسلام - إذ لن يتحقق أحد من سلوكه الدينى بعد ذلك - وألا يستسلم «لتلك التصرفات المؤسفة الانتحارية المهلكة» مثل غيره من «المغفلين والبلهاء»، ولكن رد يولوجيو اقتصر على أن طلب منه شحذ السيف.
لم تكن هذه الحادثة الغريبة من الحوادث التى تميزت بها الحياة فى إسبانيا المسلمة، إذ ظل أبناء أديان التوحيد التاريخية الثلاثة، يعيشون فى سلام ووئام نسبيين على مدى الأعوام الستمائة التالية، فكان اليهود - الذين كانوا يتعرضون للملاحقة والقتل فى سائر أنحاء أوروبا - يتمتعون بنهضة ثقافية حافلة خاصة بهم. ولكن قصة شهداء قرطبة تكشف عن موقف سرعان ما تفشى فى الغرب، ففى ذلك الوقت كان الإسلام قوة عالمية كبرى وكانت أوروبا التى اكتسحتها القبائل الهمجية، قد أصبحت بركة ثقافية آسنة وعلى مر الأيام بدا أن العالم كله قد أصبح إسلاميا مثلما يبدو لنا اليوم وقد اكتسى الطابع الغربى، وظل الإسلام يمثل تحديا لا يتوقف للغرب حتى القرن الثامن عشر، أما الآن فيبدو أن حربا باردة ضد الإسلام توشك أن تحل محل الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتى.
كان يولوجيو وألفارو يعتقدان أن سطوع نجم الإسلام يبشر بقدوم المسيخ الدجال، وهو الدجال العظيم الذى ورد وصفه فى العهد القديم، والذى ينذر حكمه بحلول الأيام الأخيرة للبشرية.
وقد أوضح مؤلف الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكى أن المسيح لن يعود إلى الأرض حتى تقع «الردة الكبرى» إذ يأتى «أثيم» ويقيم ملكه فى هيكل أورشليم ليضل كثيرا من المسيحيين «بآيات وعجائب كاذبة» وقد ورد فى سفر «رؤيا يوحنا اللاهوتى» أيضًا ذكر وحش عظيم، «سِمتُه عجيبة» وهى العدد ,666 يخرج من الهاوية ويتوج نفسه على عرش جبل المعبد، ويحكم العالم.
وكان يبدو أن الإسلام يتفق اتفاقًا تامًا مع هذه الرؤى القديمة، إذ فتح المسلمون بيت المقدس فى عام ,638 وبنوا مسجدين عظيمين على جبل المعبد، وبدا أنهم حقا يحكمون العالم، وقيل أيضًا إن محمدًا قد أتى بعد المسيح، حيث انتفت الحاجة إلى تنزيل جديد، ولكنه نَصَّب نفسه نبيّاً وارتدّ كثير من المسيحيين واعتنقوا الدين الجديد، وكانت بحوزة يولوجيو والفارو سيرة مختصرة لحياة محمد تقول إنه توفى فى عام 666 من التاريخ الإسبانى، وبذلك تسبق الحساب التقليدى بثمانية وثلاثين عامًا، وكانت تلك السيرة النبوية التى كتبت فى أواخر القرن الثامن من وجهة نظر غربية، قد قام بإعدادها أحد الأديرة، ويدعى «دير لير» بالقرب من بامبلونا فى براغيل العالم المسيحى الذى كان يرتعد فرقا أمام العملاق الإسلامى الجبار، كان نجاح الإسلام يثير سؤالاً يتجاوز التهديد السياسى الذى يمثله، وهو سؤال لاهوتى يبعث على القلق: كيف سمح الله لهذه العقيدة «الكاذبة» بالظهور والانتشار؟ ترى هل تخلى الله عن مناصرة شعبه وأهله؟
كانت صيحات التهجم التى أطلقها شهداء قرطبة ضد نبى الإسلام تستند إلى تلك السيرة القائمة على «الرؤيا»، وصوّر الوهم للأذهان التى سيطر عليها الرعب أن محمدًا دجال كاذب، نصّب نفسه نبيًا ليخدع العالم، وصور لها الوهم أنه فاسق يستمرئ الفسق البذىء ويدفع أتباعه إلى محاكاته، وصور لها الوهم أنه كان يُجْبر الناس على اعتناق عقيدته بحد السيف، وانتهت هذه الأوهام إلى القول بأن الإسلام ليس دينًا مستقلاً منزلاً، بل بدعة، أو صورة مشوهة من صور المسيحية، وأنه دين عنف يؤمن بالسيف ويمجد الحرب والقتل، وقد سمع البعض أنباء شهداء قرطبة فى مناطق أخرى من أوروبا، بعد أن انطفأت شعلة الحركة، ولكن هذه الأنباء لم تُحدث صدىً يذكر، ولكن الأساطير المسيحية عادت بعد نحو 250 سنة، وأوربا توشك على العودة إلى الساحة الدولية، وهى الأساطير التى أعادت رسم هذه الصورة الوهمية لنبىّ الإسلام بدقة غريبة، ولا شك أن بعض الباحثين المتعمقين قد حاولوا وضع تصور موضوعى صادق لنبى الإسلام وللدين الذى أتى به، ولكن الصورة الخيالية للنبى الذى حُرّف اسمه إلى «ماهاوند» استمرت قائمة على المستوى الشعبى، ومن ثم أصبح العدو الأكبر للهوية الغربية الناشئة، وأصبح يرمز لكل ما «نتمنى» أن ننفيه عن ذواتنا، ولاتزال آثار الوهم القديم قائمة حتى يومنا هذا، إذ لا يزال من الشائع عند أبناء الغرب أن يسلموا دون نقاش بأن محمدًا ليس سوى رجل «استغل» الدين فى تحقيق الفتوحات وسيادة العالم، وأن الإسلام دين عنف يعتمد على السيف، وذلك على الرغم من وجود دراسات علمية وموضوعية كثيرة عن الإسلام ونبى الإسلام تثبت خطل هذه الأسطورة المرتبطة بـ«ماهاوند».
كان القرن الحادى عشر يطوى صفحته عندما شرعت أوروبا فى النهوض من جديد بزعامة البابا، والاستيلاء على بعض أراضى المسلمين، ففى عام ,1061 كان النورمانديون قد بدأوا الهجوم على المسلمين فى جنوبى إيطاليا وصقلية، وتمكنوا من فتح المنطقة عام ,1091 كما شرع المسيحيون فى شمالى إسبانيا فى شن حروبهم ضد مسلمى الأندلس، ففتحوا طليطلة عام ,1085 وفى عام 1095 قام البابا أوربان الثانى باستدعاء فرسان أوروبا لتحرير قبر المسيح فى أورشليم فى حملة كتب لها أن تعرف باسم الحملة الصليبية الأولى، وبعد سنوات من الشدائد والأهوال تمكن الصليبيون فى عام 1099 من فتح أورشليم وإنشاء أول مستعمرات غربية فى الشرق الأدنى، وقد اتخذ هذا النجاح الغربى الجديد صورة الحرب التى لا هوادة فيها ضد الإسلام، وإن لم يكن أحد فى أوروبا، فى البداية، يُكنُّ كراهية خاصة للدين الإسلامى أو لنبىّ الإسلام، إذ كان ما يشغل الناس هو تحقيق أحلامهم الخاصة بالمجد وتوسيع رقعة أوروبا البابوية، وتفصح ملحمة أنشودة رولان التى أُلِّفت فى زمن الحملة الصليبية الأولى عن جهل فاضح بالطبيعة الأساسية للعقيدة الإسلامية، إذ تُصَوِّرُ المسلمين من أعداء شارلمان ورولان فى صور عابدى الأصنام، وهم يركعون أمام ثلاثة آلهة هى «أبولّو» و«تيرفاجان» و«محمد»، وإن كانوا، على ذلك، جنودًا شجعانًا، يسعد المقاتل بمنابذتهم، وعندما تلاقت جيوش الحملة الصليبية الأولى فى آسيا الصغرى للمرة الأولى مع الأتراك، أحست بالاحترام البالغ لهم والإعجاب بشجاعتهم.
من ذا الذى يستطيع، مهما تكن خبرته وعلمه، أن يجرؤ على الكتابة عن مهارة الأتراك وبسالتهم وشجاعتهم؟ كانوا يظنون أنهم سيقذفون الرعب فى قلوب الفرنجة مثلما ألقوا الرعب فى قلوب العرب وأبناء الصحراء وأبناء أرمينيا وسوريا واليونان، بالخشية من سهامهم! ومع ذلك فالله شاهد على أن رجالهم لم يتفوقوا أبدًا على رجالنا، وهم يقولون إنهم من سلالة الفرنجة نفسها، وإنهم مفطورون على الفروسية، وهذا صحيح ولا يمكن أن ينكره أحد، فإذا كانوا قد ثبتوا على العقيدة المسيحية وأبدوا استعدادهم لقبول الإيمان بإله واحد يحلُّ فى ثلاثة أشخاص.. فلن تجد أقوى ولا أشجع ولا أمهر من هؤلاء الجنود، ومع ذلك فقد منّ الله على رجالنا فقهروهم.
لقد أحس الفرنجة بالوشائج التى تربطهم بجنود المسلمين فى موقعة دوريليوم عام ,1097 ولكن الصليبيين فتحوا أورشليم بعد ذلك بسنتين وبدا عندها أنهم لا يستطيعون اعتبار المسلمين بشًرا مثلهم، إذ قاموا بارتكاب مذبحة بين سكان المدينة عامدين ، وهى المذبحة التى صَدَمَتْ مشاعر الجميع حتى من معاصريهم، وأصبحوا بعد ذلك يعتبرون المسلمين وباءً لابد من تطهير الأماكن المقدسة منه، وكانت الصفة الرسمية التى أطلقت عليهم فى مصطلح الحملات الصليبية هى «القذارة».
كان اهتمام أوروبا بالنبى محمد يكاد يكون معدومًا قبل عام ,1100 ولكن الجميع، أصبحوا يعرفونه فى عام ,1120 ففى نفس الوقت الذى كانت فيه أساطير شارلمان والملك آرثر وروبين هود قد بدأت تشيع فى الغرب، أصبحت «أسطورة ماهاوند» عدو الممالك المسيحية وقرينها، راسخة فى مخيلة أبناء الغرب، وقد أوضح الباحث ر. و. ساذرن فى دراسة بعنوان «صور الإسلام فى الغرب إبان العصور الوسطى» ذلك قائلاً:
لا شك أنهم عندما وضعوا هذه الأساطير والأوهام،، كانوا يرون أنها تمثل الصورة الحقيقية، إلى حد ما، للواقع الذى تصفه، ولكنها اتخذت بعد كتابتها طابعًا أدبيًا وهبها حياتها الخاصة، ولم تتغير كثيرًا صورة محمد وأتباعه من أبناء الصحراء، على مستوى الشعر الشعبى، من جيل إلى جيل، وكان هؤلاء يشبهون الشخصيات الخيالية المحبوبة، التى يتوقع القارئ أن تتسم بخصائص معينة، ومن ثم حقق المؤلفون غاية القراء فطفقوا يصفون تلك الخصائص على امتداد مئات السنين.
وربما أدى الطابع «الخيالى» لشخصية «ماهاوند» فى الغرب، إلى زيادة الصعوبة التى يواجهها الناس اليوم إذا حاولوا النظر إليه باعتباره شخصية تاريخية جديرة بالدراسة الجادة التى يولونها لنابليون أو للإسكندر الأكبر، والصورة الخيالية لشخصية «ماهاوند» فى رواية «آيات شيطانية» تتفق على أعمق مستوى مع هذه الأوهام الغربية الراسخة.
فلقد لجأت الأساطير، فى محاولة لتفسير سر نجاح محمد، إلى الزعم بأنه كان ساحرا دبّر «معجزات» زائفة، حتى يخدع العرب السُّذَّج، ويدمر الكنيسة فى إفريقيا والشرق الأوسط، وتتحدث إحدى الحكايات عن ثور أبيض نشر الذعر بين السكان ثم ظهر آخر الأمر، وكان القرآن وهو الكتاب الذى أتى به محمد إلى العرب، يتراقص فى الهواء بين قرنيه باعتبار ذلك من المعجزات، وقيل أيضًا إن محمدًا قام بتدريب حمامة على التقاط حبات البازلاء من أذنيه، حتى يبدو للرائى كأن روح القدس تتنزل عليه وتهمس له بالوحى، أما تجاربه الدينية الحقيقية فقد فسرها هؤلاء بأنه كان يعانى من مرض الصرّع، وكان معنى ذلك فى تلك الأيام أنه رجل تسكنه الجان، كما أفاضوا فى الحديث عن حياته الجنسية فاتهموه بأقذع ضروب الشذوذ، وقالوا عنه إنه أغرى الناس بالانضمام إلى دينه بتشجيعهم على إرضاء غرائزهم الدنيا، وقالوا إن مزاعم النبى محمد كانت جميعها كاذبة، وإنه كان دجالاً عامدًا تمكن من خداع معظم أبناء شعبه، وأما بعض أتباعه الذى تكشفت لهم حقيقة أفكاره السخيفة فالتزموا الصمت بسبب أطماعهم الدنيئة، والواقع أن المسيحيين الغربيين لم يجدوا سبيلاً إلى تفسير الرؤية الدينية الرائعة والمقنعة التى أتى بها محمد، وإلى تفسير سر نجاحها، إلا بإنكار الوحى ومن ثم نفى وجود مصدر مستقل لها، مما يعنى أن الإسلام كان فى نظرهم فرقة خارجة على المسيحية، وهى بهذا تمثل بدعة البدع، وغاية المروق، وزُعم فيما زعم أن رجلاً يدعى سيرجيوس كان راهبًا ثم أصبح مارقا ومن ثم أُرغم على الفرار من بلدان المسيحية، وكان ذلك ما ينبغى له أن يفعل، ومن ثم ذهب إلى بلاد العرب وقابل محمدًا ولقنه أصول الصورة المشوهة للمسيحية التى أتى بها، وكان الغربيون يقولون إن دين محمد «المحمدية» ما كان ليظهر على الدين كله إلا بحد السيف، وإن المسلمين لم يكن مسموحًا لهم بمناقشة الدين مناقشة حرة فى الإمبراطورية الإسلامية، وإن محمدًا قد انتهى نهاية تعتبر جزاء وفاقًا، إذ هجم عليه قطيع من الخنازير أثناء إحدى نوبات اتصاله بالجن فمزقوه إربًا.
بعض تفاصيل هذا الوهم تعكس بواعث قلق المسيحيين على هويتهم التى كانت قد بدأت تظهر، فالوصمة التى ألحقوها بالإسلام باعتباره «دين السيف» نشأت فى إبان الحملات الصليبية، وهى فترة لابد أن المسيحيين فيها أحسوا بقلق دفين إزاء الصورة العدوانية التى اتخذتها عقيدتهم، وهى صورة لا علاقة لها برسالة الدعوة إلى السلم التى جاء بها المسيح، وفى الوقت الذى كانت الكنيسة تفرض على رجال الدين الامتناع عن الزواج، على رغبتهم فيه وحرصهم عليه، كانت الرواية المدهشة الغريبة عن الحياة الجنسية للنبى محمد تنم عن ألوان الكبت التى يكابدها المسيحيون أكثر مما تتعلق بأية حقائق عن حياة النبى الشخصية، ولا شك أن الصورة التى رسموها للإسلام كانت تتضمن حسدًا ظاهرًا، إذ كانوا يصورونه فى صورة دين المتعة والتيسير، أما التهمة الأخيرة فهى مردودة عليهم، إذ إن الغرب لا الإسلام هو الذى حظر حرية مناقشة المسائل الدينية، ففى زمن الحملات الصليبية كانت «الوحدة الفكرية» غاية تتحرق أوروبا شوقًا إلى تحقيقها، حيث بدت من قبيل «النزعة المسيطرة»، وكانت أوروبا تعاقب من يخرج عليها بحماس فريد فى تاريخ الدين، وكانت مطاردة رجال محاكم التفتيش «للساحرات» أو من بهنّ مسّ من الشيطان وحركة اضطهاد البروتستانت والكاثوليك بعضهم البعض، تقومان على آراء لاهوتية عميقة ومعقدة، وكانت اليهودية والإسلام تعتبران فى هذا الإطار من العقائد الفردية الثانوية، فلم تكن اليهودية تشارك المسيحية نظرتها إلى «البدعة»، ولم يكن الإسلام يشاركها تلك النظرة هو الآخر، فنظرة المسيحية للبدعة ترفع من قيمة الآراء البشرية فى القداسة إلى حد غير مقبول، بل إنها تصل إلى صورة تقترب من عبادة الأوثان، والواقع أن عصر الحملات الصليبية الذى شهد ترسيخ الصورة الخيالية لماهاوند، كان عصر توتر بالغ، بلغ فيه المروق من الدين أشده فى أوروبا، وما الخوف المرضى من الإسلام إلا التعبير الساطع عن تلك الظاهرة. وبدأ يتضح أن المسيحيين الغربيين لن يستطيعوا تقبل وجود جاليات دينية مختلفة أو عقائد متباينة فى إطار النظم التى أقاموها، أو يحرزوا فى ذلك من النجاح ما أحرزه المسلمون أو البيزنطيون، ولما كانت اليهودية هى الدين الأجنبى الوحيد القائم آنذاك على الأرض الأوروبية، فقد استهل رجال الحملة الصليبية الأولى رحلتهم إلى الشرق الأوسط بمذابح للجاليات اليهودية المقيمة فى وادى نهر الراين، وكانت تلك أولى المذابح الجماعية فى أوروبا، وكُتب للعداء للسامية أن يصبح مرضًا أوروبيًا عضالاً أثناء الحملات الصليبية، وبينما كان المسيحيون يلفقون أساطيرهم عن «ماهاوند» وأبناء الصحراء، كانت أوهامهم المرعبة عن اليهود تنسج روايات مماثلة، فقالوا إن اليهود يقتلون الأطفال الصغار ويمزجون الدم بخبز عيد الفصح العبرانى، وإنهم يدنسون القربان المقدس، وإنهم يدبرون مؤامرة دولية واسعة النطاق للإطاحة بالمسيحية، ولم توضع فى العالم الإسلامى أمثال هذه الأساطير المعادية لليهودية، التى تنم على وجود اضطرابات وأمراض فى نفوس الغربيين، أما بعد فتوحاتهم فى إسبانيا وجنوبى إيطاليا وصقلية، فقد أصبح العشرات من الآلاف من المسلمين يعيشون داخل حدود المماليك المسيحية، وبدا للمؤسسة الحاكمة أن الأسلوب الوحيد الكفيل بإنجاح التعامل مع هؤلاء الأجانب يتمثل فى فرض سيادة فصل عنصرى رسمية، تقضى بمنع المسيحيين من إقامة أية صلات مع جيرانهم من المسلمين واليهود، وصدرت تشريعات كنسية خاصة تربط المسلمين باليهود باعتبارهم العدو المشترك فى المجلسين البابويين اللذين عقدا عامى 1179 و,1215 إذ قضت تلك التشريعات بفرض عقوبات تتمثل فى الطرد من الكنيسة، وما يترتب على ذلك من مصادرة الممتلكات، على كل مسيحى يقبل الخدمة فى منازل المسلمين أو اليهود، أو رعاية أطفالهم أو الإتجار معهم أو حتى مشاركتهم طعامهم، وفى عام 1227 أضاف البابا غريغوريوس التاسع المراسيم التالية: يجب على المسلمين واليهود أن يرتدوا ملابس مميزة لهم، ويجب ألا يظهروا فى الشوارع أثناء الأعياد المسيحية أو أن يتولوا مناصب حكومية فى البلدان المسيحية، كما مُنع المؤذن من إيذاء أسماع المسيحيين بدعوة المسلمين إلى إقامة الصلاة بالأسلوب المعهود.
وأعلن البابا كليمنت الخامس (1305- 1314) أن وجود مسلم على الأرض المسيحية يعتبر إهانة لله، وكان المسيحيون قد شرعوا قبل ذلك فى التصدى لتلك الظاهرة التى اعتبروها مخزية، فقام ملك فرنسا شارل آنشو عام 1301 بإبادة من بقى من المسلمين الصقليين ومن أبناء جنوب إيطاليا فى «محمية» لوسيرا، وكان وصفها بأنها «وكر الوباء.. متوهجة التلوث.. مصدر الطاعون العضال والجراثيم القذرة فى أبوليا». وفى عام 1942 سقطت آخر قلعة إسلامية فى أوروبا، عندما قام فرديناند وإيزابيلا بفتح غرناطة، إذ دقت أجراس الكنائس فى شتى أرجاء أوروبا ابتهاجًا بالنصر المسيحى على الكفار، ولم تمض سنوات معدودة حتى كان مسلمو إسبانيا يواجهون الاختيار بين الترحيل أو التحول إلى اعتناق المسيحية، ولم تلبث محاكم التفتيش أن قامت باضطهادهم هم وذريتهم على مدى 300 سنة أخرى، وهكذا حلت روح شهداء قرطبة محل التسامح القديم، وبدا أن المسيحيين فى إسبانيا قد تملكهم الخوف من المسلمين المتخفين، الذين يعيشون بين ظهرانيهم، باعتبارهم العدو السرى للمجتمع.
وكثيرًا ما كان الموقف الغربى الفاسد تجاه الإسلام يتجلى فى ردود أفعال تنبئ عن انفصام نفسى، إذ كان الإمبراطور «الرومانى المقدس» فريدريك الثانى محبًا للإسلام، وكان يجد من الانتماء النفسى الحقيقى فى العالم الإسلامى أكثر مما يجده فى أوروبا المسيحية، ولكنه كان، على ذلك، لا يكف عن قتل المسلمين وترحيلهم من بلده صقلية، والغريب أنه فى الوقت الذى انقض فيه المسيحيون على المسلمين يذبحونهم فى الشرق الأدنى، كان آخرون يجلسون لتلقى العلم عند أقدام علماء المسلمين فى إسبانيا، وكان العلماء من المسيحيين واليهود والمستعربين يتعاونون فى مشروع ترجمة جبار لنقل معارف العالم الإسلامى إلى الغرب واستعادة الحكمة الكلاسيكية القديمة التى فقدتها أوروبا فى العصور المظلمة، كان الفيلسوفان المسلمان ابن سينا وابن رشد يحظيان بالتبجيل باعتبارهما من نجوم الفكر الساطعة، ولو أن الجمهور كان يواجه صعوبة متزايدة فى تقبل كونهما من المسلمين، وقد وجدت المشكلة أبلغ تعبير عنها فى ملحمة الكوميدية الإلهية لدانتى، التى تصورهما فى البرزخ «أى فى الأعراف» مع فضلاء الوثنيين الذين أرسوا أسس الثقافة الفكرية وأعانوا الغرب على اكتسابها، مثل إقليدس وبطليموس، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو. ولكن دانتى يصور محمدًا فى الفلك الثامن للجحيم، مع أرباب الفتنة التى أحدثت الانشقاق الدينى، ويصوره فى عذاب مهين(*):
[(*) تورد المؤلفة هنا أبياتًا قبيحة لا يليق نشرها بالعربية عن رسول الإسلام، وقد سبق للأستاذ حسن عثمان أن أشار إليها فى ترجمته قائلاً: «ولقد حذفت من الأنشودة (رقم 28) أبياتًا وجدتها غير جديرة بالترجمة، وردت عن النبى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد أخطأ فى ذلك دانتى خطأ جسيمًا تأثر فيه بما كان سائدًا فى عصره، فى المؤلفات أو بين العامة، بحيث لم يستطع أهل الغرب وقتئذ تقدير رسالة الإسلام الحقة وفهم حكمته الإلهية» (ص 365 من الترجمة، دار المعارف، القاهرة، 1959)].
ولا يعتقد المترجمان أن حذف الأبيات ينتقص من الهدف الذى تسعى المؤلفة إلى إبرازه، فهى أبيات قبيحة لا تليق بشاعر كبير، وإن كان التراث العربى فى الهجاء حافلاً بأمثالها.
دانتى لم يكن يستطيع أن يسمح حتى ذلك الوقت بأن تكون للنبى محمد رؤيته الدينية المستقلة، فهو يصفه بأنه منشق لا أكثر، خرج عن العقيدة الأصلية، والصور البذيئة التى يرسمها دانتى تفصح عن مدى الاشمئزاز الذى كان الإسلام يبعث عليه فى صدور المسيحيين ولكنها تبين أيضًا مدى الانفصام فى النفس الغربية، إذ ترى فى الإسلام صورة لكل ما لا تستطيع هضمه فى ذاتها، وكان المزيج من الخوف والكراهية الذى يعتبر مناقضًا بل وإنكارًا تامًا لرسالة المحبة التى أتى بها المسيح، يمثل كذلك جُرحًا عميقًا فى وحدة المسيحية الغربية وسلامتها.
ومع ذلك فقد حاول البعض الآخر التوصل إلى رؤية تتسم بالمزيد من الموضوعية، ومن الطريف، فى الوقت الذى كانت المخيلة المسيحية تصهر اليهود والمسلمين فى بوتقة واحدة باعتبارهما العدو المشترك للحضارة، أن تكون صورة من أوائل الصور الإيجابية لمحمد فى الغرب صورة رسمها له بيتر ألفونسى، وهو يهودى إسبانى اعتنق المسيحية عام 1106 ثم قضى بقية حياته فى إنجلترا، طبيبًا للملك هنرى الأول، كان على عدائه للإسلام يصوره فى صورة الدين الذى يقبله ويرضاه من لم يسبق له الالتزام بالعقيدة «الحقة»، وفى عام 1120 أو نحو ذلك التاريخ الذى بلغ فيه العداء للإسلام ذروته، كتب وليم مامزبرى دراسة يفرق فيها بين الإسلام والوثنية، فكان أول أوروبى يفعل ذلك، إذ جاء فيها «إن أبناء الشرق والأتراك يعبدون الله، الخالق، ويبجلون محمدًا لا باعتباره ربًا بل باعتباره نبيًا لهم». وكانت تلك نظرة نافذة لايزال الكثيرون من أبناء الغرب يرفضون قبولها، ولايزال بيننا بعض من يدهش دهشة حقيقية حين يسمع أن المسلمين يعبدون الإله الذى يعبده اليهود والمسيحيون نفسه: فهم يعتقدون أن «الله» إله يختلف اختلافاً كاملاً، كأنما هو جوبيتر فى مجمع الآلهة الرومانى، ويميل البعض الآخر إلى افتراض أن «المحمديين» يبجلون نبيهم تبجيلاً من نفس اللون الذى يكنه المسيحيون للمسيح.
وتتجلى صعوبة فصل الحقيقة عن الوهم فى قصة تاريخ شارلمان التى تنسب إلى توربين، وكتبت فى وقت ما قبل عام ,1150 وهى تصور الشرقيين أو أبناء الصحراء «الوثنيين»، إذ يعبدون محمداً مع «أبوللو» و«تيرفاجانت»، على نحو ما كان متبعاً فى قصص المغامرات وأناشيد البطولات الفرنسية، ومع ذلك ففى خضم هذه الصور تدور مناظرة عقلانية بين رولان وعملاق مسلم يدعى فيراكتوس يتجلى فيها الوعى بأن المسلمين يعبدون الله الواحد الصمد، وفى نحو ذلك الوقت أيضاً كتب المؤرخ أوتو فرايزنج بحثاً ينكر فيه أن المسلمين يعبدون الأصنام.
ومن المعروف أن جميع أبناء الشرق يعبدون الله وحده، ويعترفون بشريعة العهد القديم، وشعيرة الطهارة، بل إنهم لا يهاجمون المسيح ولا الرسل، ولا يقصيهم عن الخلاص إلا شىء واحد، ألا وهو إنكارهم أن المسيح عيسى هو الله أو ابن الله، وتبجيلهم الغاوى محمداً باعتباره نبياً عظيماً للرب الأعلى.؟
كان الشهداء ينتمون لشتى المستويات الاجتماعية، فكانوا من الرجال والنساء، ومن الرهبان والقسس، ومن غير رجال الدين، ومن البسطاء ومن كبار العلماء، وكان يبدو أن الكثيرين منهم يسعون لتحقيق هوية غربية متميزة واضحة، ويبدو أن بعضهم كان ينتمى إلى أسرات مختلطة، حيث أحد الأبوين مسلم والآخر مسيحى، وكان البعض الآخر يُنصح بأن يستوعب الثقافة الإسلامية استيعاباً كاملا - إذ أُطلقت عليهم أسماء عربية أو عينوا فى وظائف معينة بالحكومة - ومن ثم اختلطت عليهم السبل وأصيبوا بالحيرة، ولا شك أن فقدان الجذور الثقافية قد يحدث قلقاً عميقاً، بل إنه حتى فى أيامنا هذه، قد يؤدى إلى نشوء نزعة تدين تتمسك بروح التحدى والعدوان، وهى النزعة التى تتوسل بها النفس لفك الحصار المضروب حولها، وقد يكون علينا أن نذكر شهداء قرطبة عندما نحار فى فهم نزعة العداء والغضب فى بعض الجاليات الإسلامية فى الغرب، وفى المناطق الأخرى التى تشكل فيها الثقافة الغربية تهديداً للقيم التقليدية، كانت حركة الشهداء التى قادها الفارو ويولوجيو تعارض المستعربين المسيحيين بنفس المرارة التى تعارض بها المسلمين، إذ اتهمتهم بأنهم خونة لثقافتهم.
وقام يولوجيو بزيارة إلى بامبلونا فى البلدة المسيحية المجاورة، وعاد يحمل كتباً غربية: نصوصاً باللاتينية كتبها آباء الكنيسة ومؤلفات رومانية كلاسيكية من تأليف فيرجيل وجوفينال، كان يطمح فى مقاومة استعراب مواطنيه الإسبان، وإبداع نهضة لاتينية تتوقد حنيناً وشوقاً إلى الماضى الرومانى لبلده، فذلك من سبل إحباط تأثير الثقافة الإسلامية السائدة، ولكن الحركة خبت وتدهورت عندما أصدر القاضى حكمه بإعدام يولوجيو، وقد طلب القاضى إليه أن ينجو بأن يعلن اسميا قبوله الإسلام - إذ لن يتحقق أحد من سلوكه الدينى بعد ذلك - وألا يستسلم «لتلك التصرفات المؤسفة الانتحارية المهلكة» مثل غيره من «المغفلين والبلهاء»، ولكن رد يولوجيو اقتصر على أن طلب منه شحذ السيف.
لم تكن هذه الحادثة الغريبة من الحوادث التى تميزت بها الحياة فى إسبانيا المسلمة، إذ ظل أبناء أديان التوحيد التاريخية الثلاثة، يعيشون فى سلام ووئام نسبيين على مدى الأعوام الستمائة التالية، فكان اليهود - الذين كانوا يتعرضون للملاحقة والقتل فى سائر أنحاء أوروبا - يتمتعون بنهضة ثقافية حافلة خاصة بهم. ولكن قصة شهداء قرطبة تكشف عن موقف سرعان ما تفشى فى الغرب، ففى ذلك الوقت كان الإسلام قوة عالمية كبرى وكانت أوروبا التى اكتسحتها القبائل الهمجية، قد أصبحت بركة ثقافية آسنة وعلى مر الأيام بدا أن العالم كله قد أصبح إسلاميا مثلما يبدو لنا اليوم وقد اكتسى الطابع الغربى، وظل الإسلام يمثل تحديا لا يتوقف للغرب حتى القرن الثامن عشر، أما الآن فيبدو أن حربا باردة ضد الإسلام توشك أن تحل محل الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتى.
كان يولوجيو وألفارو يعتقدان أن سطوع نجم الإسلام يبشر بقدوم المسيخ الدجال، وهو الدجال العظيم الذى ورد وصفه فى العهد القديم، والذى ينذر حكمه بحلول الأيام الأخيرة للبشرية.
وقد أوضح مؤلف الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكى أن المسيح لن يعود إلى الأرض حتى تقع «الردة الكبرى» إذ يأتى «أثيم» ويقيم ملكه فى هيكل أورشليم ليضل كثيرا من المسيحيين «بآيات وعجائب كاذبة» وقد ورد فى سفر «رؤيا يوحنا اللاهوتى» أيضًا ذكر وحش عظيم، «سِمتُه عجيبة» وهى العدد ,666 يخرج من الهاوية ويتوج نفسه على عرش جبل المعبد، ويحكم العالم.
وكان يبدو أن الإسلام يتفق اتفاقًا تامًا مع هذه الرؤى القديمة، إذ فتح المسلمون بيت المقدس فى عام ,638 وبنوا مسجدين عظيمين على جبل المعبد، وبدا أنهم حقا يحكمون العالم، وقيل أيضًا إن محمدًا قد أتى بعد المسيح، حيث انتفت الحاجة إلى تنزيل جديد، ولكنه نَصَّب نفسه نبيّاً وارتدّ كثير من المسيحيين واعتنقوا الدين الجديد، وكانت بحوزة يولوجيو والفارو سيرة مختصرة لحياة محمد تقول إنه توفى فى عام 666 من التاريخ الإسبانى، وبذلك تسبق الحساب التقليدى بثمانية وثلاثين عامًا، وكانت تلك السيرة النبوية التى كتبت فى أواخر القرن الثامن من وجهة نظر غربية، قد قام بإعدادها أحد الأديرة، ويدعى «دير لير» بالقرب من بامبلونا فى براغيل العالم المسيحى الذى كان يرتعد فرقا أمام العملاق الإسلامى الجبار، كان نجاح الإسلام يثير سؤالاً يتجاوز التهديد السياسى الذى يمثله، وهو سؤال لاهوتى يبعث على القلق: كيف سمح الله لهذه العقيدة «الكاذبة» بالظهور والانتشار؟ ترى هل تخلى الله عن مناصرة شعبه وأهله؟
كانت صيحات التهجم التى أطلقها شهداء قرطبة ضد نبى الإسلام تستند إلى تلك السيرة القائمة على «الرؤيا»، وصوّر الوهم للأذهان التى سيطر عليها الرعب أن محمدًا دجال كاذب، نصّب نفسه نبيًا ليخدع العالم، وصور لها الوهم أنه فاسق يستمرئ الفسق البذىء ويدفع أتباعه إلى محاكاته، وصور لها الوهم أنه كان يُجْبر الناس على اعتناق عقيدته بحد السيف، وانتهت هذه الأوهام إلى القول بأن الإسلام ليس دينًا مستقلاً منزلاً، بل بدعة، أو صورة مشوهة من صور المسيحية، وأنه دين عنف يؤمن بالسيف ويمجد الحرب والقتل، وقد سمع البعض أنباء شهداء قرطبة فى مناطق أخرى من أوروبا، بعد أن انطفأت شعلة الحركة، ولكن هذه الأنباء لم تُحدث صدىً يذكر، ولكن الأساطير المسيحية عادت بعد نحو 250 سنة، وأوربا توشك على العودة إلى الساحة الدولية، وهى الأساطير التى أعادت رسم هذه الصورة الوهمية لنبىّ الإسلام بدقة غريبة، ولا شك أن بعض الباحثين المتعمقين قد حاولوا وضع تصور موضوعى صادق لنبى الإسلام وللدين الذى أتى به، ولكن الصورة الخيالية للنبى الذى حُرّف اسمه إلى «ماهاوند» استمرت قائمة على المستوى الشعبى، ومن ثم أصبح العدو الأكبر للهوية الغربية الناشئة، وأصبح يرمز لكل ما «نتمنى» أن ننفيه عن ذواتنا، ولاتزال آثار الوهم القديم قائمة حتى يومنا هذا، إذ لا يزال من الشائع عند أبناء الغرب أن يسلموا دون نقاش بأن محمدًا ليس سوى رجل «استغل» الدين فى تحقيق الفتوحات وسيادة العالم، وأن الإسلام دين عنف يعتمد على السيف، وذلك على الرغم من وجود دراسات علمية وموضوعية كثيرة عن الإسلام ونبى الإسلام تثبت خطل هذه الأسطورة المرتبطة بـ«ماهاوند».
كان القرن الحادى عشر يطوى صفحته عندما شرعت أوروبا فى النهوض من جديد بزعامة البابا، والاستيلاء على بعض أراضى المسلمين، ففى عام ,1061 كان النورمانديون قد بدأوا الهجوم على المسلمين فى جنوبى إيطاليا وصقلية، وتمكنوا من فتح المنطقة عام ,1091 كما شرع المسيحيون فى شمالى إسبانيا فى شن حروبهم ضد مسلمى الأندلس، ففتحوا طليطلة عام ,1085 وفى عام 1095 قام البابا أوربان الثانى باستدعاء فرسان أوروبا لتحرير قبر المسيح فى أورشليم فى حملة كتب لها أن تعرف باسم الحملة الصليبية الأولى، وبعد سنوات من الشدائد والأهوال تمكن الصليبيون فى عام 1099 من فتح أورشليم وإنشاء أول مستعمرات غربية فى الشرق الأدنى، وقد اتخذ هذا النجاح الغربى الجديد صورة الحرب التى لا هوادة فيها ضد الإسلام، وإن لم يكن أحد فى أوروبا، فى البداية، يُكنُّ كراهية خاصة للدين الإسلامى أو لنبىّ الإسلام، إذ كان ما يشغل الناس هو تحقيق أحلامهم الخاصة بالمجد وتوسيع رقعة أوروبا البابوية، وتفصح ملحمة أنشودة رولان التى أُلِّفت فى زمن الحملة الصليبية الأولى عن جهل فاضح بالطبيعة الأساسية للعقيدة الإسلامية، إذ تُصَوِّرُ المسلمين من أعداء شارلمان ورولان فى صور عابدى الأصنام، وهم يركعون أمام ثلاثة آلهة هى «أبولّو» و«تيرفاجان» و«محمد»، وإن كانوا، على ذلك، جنودًا شجعانًا، يسعد المقاتل بمنابذتهم، وعندما تلاقت جيوش الحملة الصليبية الأولى فى آسيا الصغرى للمرة الأولى مع الأتراك، أحست بالاحترام البالغ لهم والإعجاب بشجاعتهم.
من ذا الذى يستطيع، مهما تكن خبرته وعلمه، أن يجرؤ على الكتابة عن مهارة الأتراك وبسالتهم وشجاعتهم؟ كانوا يظنون أنهم سيقذفون الرعب فى قلوب الفرنجة مثلما ألقوا الرعب فى قلوب العرب وأبناء الصحراء وأبناء أرمينيا وسوريا واليونان، بالخشية من سهامهم! ومع ذلك فالله شاهد على أن رجالهم لم يتفوقوا أبدًا على رجالنا، وهم يقولون إنهم من سلالة الفرنجة نفسها، وإنهم مفطورون على الفروسية، وهذا صحيح ولا يمكن أن ينكره أحد، فإذا كانوا قد ثبتوا على العقيدة المسيحية وأبدوا استعدادهم لقبول الإيمان بإله واحد يحلُّ فى ثلاثة أشخاص.. فلن تجد أقوى ولا أشجع ولا أمهر من هؤلاء الجنود، ومع ذلك فقد منّ الله على رجالنا فقهروهم.
لقد أحس الفرنجة بالوشائج التى تربطهم بجنود المسلمين فى موقعة دوريليوم عام ,1097 ولكن الصليبيين فتحوا أورشليم بعد ذلك بسنتين وبدا عندها أنهم لا يستطيعون اعتبار المسلمين بشًرا مثلهم، إذ قاموا بارتكاب مذبحة بين سكان المدينة عامدين ، وهى المذبحة التى صَدَمَتْ مشاعر الجميع حتى من معاصريهم، وأصبحوا بعد ذلك يعتبرون المسلمين وباءً لابد من تطهير الأماكن المقدسة منه، وكانت الصفة الرسمية التى أطلقت عليهم فى مصطلح الحملات الصليبية هى «القذارة».
كان اهتمام أوروبا بالنبى محمد يكاد يكون معدومًا قبل عام ,1100 ولكن الجميع، أصبحوا يعرفونه فى عام ,1120 ففى نفس الوقت الذى كانت فيه أساطير شارلمان والملك آرثر وروبين هود قد بدأت تشيع فى الغرب، أصبحت «أسطورة ماهاوند» عدو الممالك المسيحية وقرينها، راسخة فى مخيلة أبناء الغرب، وقد أوضح الباحث ر. و. ساذرن فى دراسة بعنوان «صور الإسلام فى الغرب إبان العصور الوسطى» ذلك قائلاً:
لا شك أنهم عندما وضعوا هذه الأساطير والأوهام،، كانوا يرون أنها تمثل الصورة الحقيقية، إلى حد ما، للواقع الذى تصفه، ولكنها اتخذت بعد كتابتها طابعًا أدبيًا وهبها حياتها الخاصة، ولم تتغير كثيرًا صورة محمد وأتباعه من أبناء الصحراء، على مستوى الشعر الشعبى، من جيل إلى جيل، وكان هؤلاء يشبهون الشخصيات الخيالية المحبوبة، التى يتوقع القارئ أن تتسم بخصائص معينة، ومن ثم حقق المؤلفون غاية القراء فطفقوا يصفون تلك الخصائص على امتداد مئات السنين.
وربما أدى الطابع «الخيالى» لشخصية «ماهاوند» فى الغرب، إلى زيادة الصعوبة التى يواجهها الناس اليوم إذا حاولوا النظر إليه باعتباره شخصية تاريخية جديرة بالدراسة الجادة التى يولونها لنابليون أو للإسكندر الأكبر، والصورة الخيالية لشخصية «ماهاوند» فى رواية «آيات شيطانية» تتفق على أعمق مستوى مع هذه الأوهام الغربية الراسخة.
فلقد لجأت الأساطير، فى محاولة لتفسير سر نجاح محمد، إلى الزعم بأنه كان ساحرا دبّر «معجزات» زائفة، حتى يخدع العرب السُّذَّج، ويدمر الكنيسة فى إفريقيا والشرق الأوسط، وتتحدث إحدى الحكايات عن ثور أبيض نشر الذعر بين السكان ثم ظهر آخر الأمر، وكان القرآن وهو الكتاب الذى أتى به محمد إلى العرب، يتراقص فى الهواء بين قرنيه باعتبار ذلك من المعجزات، وقيل أيضًا إن محمدًا قام بتدريب حمامة على التقاط حبات البازلاء من أذنيه، حتى يبدو للرائى كأن روح القدس تتنزل عليه وتهمس له بالوحى، أما تجاربه الدينية الحقيقية فقد فسرها هؤلاء بأنه كان يعانى من مرض الصرّع، وكان معنى ذلك فى تلك الأيام أنه رجل تسكنه الجان، كما أفاضوا فى الحديث عن حياته الجنسية فاتهموه بأقذع ضروب الشذوذ، وقالوا عنه إنه أغرى الناس بالانضمام إلى دينه بتشجيعهم على إرضاء غرائزهم الدنيا، وقالوا إن مزاعم النبى محمد كانت جميعها كاذبة، وإنه كان دجالاً عامدًا تمكن من خداع معظم أبناء شعبه، وأما بعض أتباعه الذى تكشفت لهم حقيقة أفكاره السخيفة فالتزموا الصمت بسبب أطماعهم الدنيئة، والواقع أن المسيحيين الغربيين لم يجدوا سبيلاً إلى تفسير الرؤية الدينية الرائعة والمقنعة التى أتى بها محمد، وإلى تفسير سر نجاحها، إلا بإنكار الوحى ومن ثم نفى وجود مصدر مستقل لها، مما يعنى أن الإسلام كان فى نظرهم فرقة خارجة على المسيحية، وهى بهذا تمثل بدعة البدع، وغاية المروق، وزُعم فيما زعم أن رجلاً يدعى سيرجيوس كان راهبًا ثم أصبح مارقا ومن ثم أُرغم على الفرار من بلدان المسيحية، وكان ذلك ما ينبغى له أن يفعل، ومن ثم ذهب إلى بلاد العرب وقابل محمدًا ولقنه أصول الصورة المشوهة للمسيحية التى أتى بها، وكان الغربيون يقولون إن دين محمد «المحمدية» ما كان ليظهر على الدين كله إلا بحد السيف، وإن المسلمين لم يكن مسموحًا لهم بمناقشة الدين مناقشة حرة فى الإمبراطورية الإسلامية، وإن محمدًا قد انتهى نهاية تعتبر جزاء وفاقًا، إذ هجم عليه قطيع من الخنازير أثناء إحدى نوبات اتصاله بالجن فمزقوه إربًا.
بعض تفاصيل هذا الوهم تعكس بواعث قلق المسيحيين على هويتهم التى كانت قد بدأت تظهر، فالوصمة التى ألحقوها بالإسلام باعتباره «دين السيف» نشأت فى إبان الحملات الصليبية، وهى فترة لابد أن المسيحيين فيها أحسوا بقلق دفين إزاء الصورة العدوانية التى اتخذتها عقيدتهم، وهى صورة لا علاقة لها برسالة الدعوة إلى السلم التى جاء بها المسيح، وفى الوقت الذى كانت الكنيسة تفرض على رجال الدين الامتناع عن الزواج، على رغبتهم فيه وحرصهم عليه، كانت الرواية المدهشة الغريبة عن الحياة الجنسية للنبى محمد تنم عن ألوان الكبت التى يكابدها المسيحيون أكثر مما تتعلق بأية حقائق عن حياة النبى الشخصية، ولا شك أن الصورة التى رسموها للإسلام كانت تتضمن حسدًا ظاهرًا، إذ كانوا يصورونه فى صورة دين المتعة والتيسير، أما التهمة الأخيرة فهى مردودة عليهم، إذ إن الغرب لا الإسلام هو الذى حظر حرية مناقشة المسائل الدينية، ففى زمن الحملات الصليبية كانت «الوحدة الفكرية» غاية تتحرق أوروبا شوقًا إلى تحقيقها، حيث بدت من قبيل «النزعة المسيطرة»، وكانت أوروبا تعاقب من يخرج عليها بحماس فريد فى تاريخ الدين، وكانت مطاردة رجال محاكم التفتيش «للساحرات» أو من بهنّ مسّ من الشيطان وحركة اضطهاد البروتستانت والكاثوليك بعضهم البعض، تقومان على آراء لاهوتية عميقة ومعقدة، وكانت اليهودية والإسلام تعتبران فى هذا الإطار من العقائد الفردية الثانوية، فلم تكن اليهودية تشارك المسيحية نظرتها إلى «البدعة»، ولم يكن الإسلام يشاركها تلك النظرة هو الآخر، فنظرة المسيحية للبدعة ترفع من قيمة الآراء البشرية فى القداسة إلى حد غير مقبول، بل إنها تصل إلى صورة تقترب من عبادة الأوثان، والواقع أن عصر الحملات الصليبية الذى شهد ترسيخ الصورة الخيالية لماهاوند، كان عصر توتر بالغ، بلغ فيه المروق من الدين أشده فى أوروبا، وما الخوف المرضى من الإسلام إلا التعبير الساطع عن تلك الظاهرة. وبدأ يتضح أن المسيحيين الغربيين لن يستطيعوا تقبل وجود جاليات دينية مختلفة أو عقائد متباينة فى إطار النظم التى أقاموها، أو يحرزوا فى ذلك من النجاح ما أحرزه المسلمون أو البيزنطيون، ولما كانت اليهودية هى الدين الأجنبى الوحيد القائم آنذاك على الأرض الأوروبية، فقد استهل رجال الحملة الصليبية الأولى رحلتهم إلى الشرق الأوسط بمذابح للجاليات اليهودية المقيمة فى وادى نهر الراين، وكانت تلك أولى المذابح الجماعية فى أوروبا، وكُتب للعداء للسامية أن يصبح مرضًا أوروبيًا عضالاً أثناء الحملات الصليبية، وبينما كان المسيحيون يلفقون أساطيرهم عن «ماهاوند» وأبناء الصحراء، كانت أوهامهم المرعبة عن اليهود تنسج روايات مماثلة، فقالوا إن اليهود يقتلون الأطفال الصغار ويمزجون الدم بخبز عيد الفصح العبرانى، وإنهم يدنسون القربان المقدس، وإنهم يدبرون مؤامرة دولية واسعة النطاق للإطاحة بالمسيحية، ولم توضع فى العالم الإسلامى أمثال هذه الأساطير المعادية لليهودية، التى تنم على وجود اضطرابات وأمراض فى نفوس الغربيين، أما بعد فتوحاتهم فى إسبانيا وجنوبى إيطاليا وصقلية، فقد أصبح العشرات من الآلاف من المسلمين يعيشون داخل حدود المماليك المسيحية، وبدا للمؤسسة الحاكمة أن الأسلوب الوحيد الكفيل بإنجاح التعامل مع هؤلاء الأجانب يتمثل فى فرض سيادة فصل عنصرى رسمية، تقضى بمنع المسيحيين من إقامة أية صلات مع جيرانهم من المسلمين واليهود، وصدرت تشريعات كنسية خاصة تربط المسلمين باليهود باعتبارهم العدو المشترك فى المجلسين البابويين اللذين عقدا عامى 1179 و,1215 إذ قضت تلك التشريعات بفرض عقوبات تتمثل فى الطرد من الكنيسة، وما يترتب على ذلك من مصادرة الممتلكات، على كل مسيحى يقبل الخدمة فى منازل المسلمين أو اليهود، أو رعاية أطفالهم أو الإتجار معهم أو حتى مشاركتهم طعامهم، وفى عام 1227 أضاف البابا غريغوريوس التاسع المراسيم التالية: يجب على المسلمين واليهود أن يرتدوا ملابس مميزة لهم، ويجب ألا يظهروا فى الشوارع أثناء الأعياد المسيحية أو أن يتولوا مناصب حكومية فى البلدان المسيحية، كما مُنع المؤذن من إيذاء أسماع المسيحيين بدعوة المسلمين إلى إقامة الصلاة بالأسلوب المعهود.
وأعلن البابا كليمنت الخامس (1305- 1314) أن وجود مسلم على الأرض المسيحية يعتبر إهانة لله، وكان المسيحيون قد شرعوا قبل ذلك فى التصدى لتلك الظاهرة التى اعتبروها مخزية، فقام ملك فرنسا شارل آنشو عام 1301 بإبادة من بقى من المسلمين الصقليين ومن أبناء جنوب إيطاليا فى «محمية» لوسيرا، وكان وصفها بأنها «وكر الوباء.. متوهجة التلوث.. مصدر الطاعون العضال والجراثيم القذرة فى أبوليا». وفى عام 1942 سقطت آخر قلعة إسلامية فى أوروبا، عندما قام فرديناند وإيزابيلا بفتح غرناطة، إذ دقت أجراس الكنائس فى شتى أرجاء أوروبا ابتهاجًا بالنصر المسيحى على الكفار، ولم تمض سنوات معدودة حتى كان مسلمو إسبانيا يواجهون الاختيار بين الترحيل أو التحول إلى اعتناق المسيحية، ولم تلبث محاكم التفتيش أن قامت باضطهادهم هم وذريتهم على مدى 300 سنة أخرى، وهكذا حلت روح شهداء قرطبة محل التسامح القديم، وبدا أن المسيحيين فى إسبانيا قد تملكهم الخوف من المسلمين المتخفين، الذين يعيشون بين ظهرانيهم، باعتبارهم العدو السرى للمجتمع.
وكثيرًا ما كان الموقف الغربى الفاسد تجاه الإسلام يتجلى فى ردود أفعال تنبئ عن انفصام نفسى، إذ كان الإمبراطور «الرومانى المقدس» فريدريك الثانى محبًا للإسلام، وكان يجد من الانتماء النفسى الحقيقى فى العالم الإسلامى أكثر مما يجده فى أوروبا المسيحية، ولكنه كان، على ذلك، لا يكف عن قتل المسلمين وترحيلهم من بلده صقلية، والغريب أنه فى الوقت الذى انقض فيه المسيحيون على المسلمين يذبحونهم فى الشرق الأدنى، كان آخرون يجلسون لتلقى العلم عند أقدام علماء المسلمين فى إسبانيا، وكان العلماء من المسيحيين واليهود والمستعربين يتعاونون فى مشروع ترجمة جبار لنقل معارف العالم الإسلامى إلى الغرب واستعادة الحكمة الكلاسيكية القديمة التى فقدتها أوروبا فى العصور المظلمة، كان الفيلسوفان المسلمان ابن سينا وابن رشد يحظيان بالتبجيل باعتبارهما من نجوم الفكر الساطعة، ولو أن الجمهور كان يواجه صعوبة متزايدة فى تقبل كونهما من المسلمين، وقد وجدت المشكلة أبلغ تعبير عنها فى ملحمة الكوميدية الإلهية لدانتى، التى تصورهما فى البرزخ «أى فى الأعراف» مع فضلاء الوثنيين الذين أرسوا أسس الثقافة الفكرية وأعانوا الغرب على اكتسابها، مثل إقليدس وبطليموس، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو. ولكن دانتى يصور محمدًا فى الفلك الثامن للجحيم، مع أرباب الفتنة التى أحدثت الانشقاق الدينى، ويصوره فى عذاب مهين(*):
[(*) تورد المؤلفة هنا أبياتًا قبيحة لا يليق نشرها بالعربية عن رسول الإسلام، وقد سبق للأستاذ حسن عثمان أن أشار إليها فى ترجمته قائلاً: «ولقد حذفت من الأنشودة (رقم 28) أبياتًا وجدتها غير جديرة بالترجمة، وردت عن النبى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد أخطأ فى ذلك دانتى خطأ جسيمًا تأثر فيه بما كان سائدًا فى عصره، فى المؤلفات أو بين العامة، بحيث لم يستطع أهل الغرب وقتئذ تقدير رسالة الإسلام الحقة وفهم حكمته الإلهية» (ص 365 من الترجمة، دار المعارف، القاهرة، 1959)].
ولا يعتقد المترجمان أن حذف الأبيات ينتقص من الهدف الذى تسعى المؤلفة إلى إبرازه، فهى أبيات قبيحة لا تليق بشاعر كبير، وإن كان التراث العربى فى الهجاء حافلاً بأمثالها.
دانتى لم يكن يستطيع أن يسمح حتى ذلك الوقت بأن تكون للنبى محمد رؤيته الدينية المستقلة، فهو يصفه بأنه منشق لا أكثر، خرج عن العقيدة الأصلية، والصور البذيئة التى يرسمها دانتى تفصح عن مدى الاشمئزاز الذى كان الإسلام يبعث عليه فى صدور المسيحيين ولكنها تبين أيضًا مدى الانفصام فى النفس الغربية، إذ ترى فى الإسلام صورة لكل ما لا تستطيع هضمه فى ذاتها، وكان المزيج من الخوف والكراهية الذى يعتبر مناقضًا بل وإنكارًا تامًا لرسالة المحبة التى أتى بها المسيح، يمثل كذلك جُرحًا عميقًا فى وحدة المسيحية الغربية وسلامتها.
ومع ذلك فقد حاول البعض الآخر التوصل إلى رؤية تتسم بالمزيد من الموضوعية، ومن الطريف، فى الوقت الذى كانت المخيلة المسيحية تصهر اليهود والمسلمين فى بوتقة واحدة باعتبارهما العدو المشترك للحضارة، أن تكون صورة من أوائل الصور الإيجابية لمحمد فى الغرب صورة رسمها له بيتر ألفونسى، وهو يهودى إسبانى اعتنق المسيحية عام 1106 ثم قضى بقية حياته فى إنجلترا، طبيبًا للملك هنرى الأول، كان على عدائه للإسلام يصوره فى صورة الدين الذى يقبله ويرضاه من لم يسبق له الالتزام بالعقيدة «الحقة»، وفى عام 1120 أو نحو ذلك التاريخ الذى بلغ فيه العداء للإسلام ذروته، كتب وليم مامزبرى دراسة يفرق فيها بين الإسلام والوثنية، فكان أول أوروبى يفعل ذلك، إذ جاء فيها «إن أبناء الشرق والأتراك يعبدون الله، الخالق، ويبجلون محمدًا لا باعتباره ربًا بل باعتباره نبيًا لهم». وكانت تلك نظرة نافذة لايزال الكثيرون من أبناء الغرب يرفضون قبولها، ولايزال بيننا بعض من يدهش دهشة حقيقية حين يسمع أن المسلمين يعبدون الإله الذى يعبده اليهود والمسيحيون نفسه: فهم يعتقدون أن «الله» إله يختلف اختلافاً كاملاً، كأنما هو جوبيتر فى مجمع الآلهة الرومانى، ويميل البعض الآخر إلى افتراض أن «المحمديين» يبجلون نبيهم تبجيلاً من نفس اللون الذى يكنه المسيحيون للمسيح.
وتتجلى صعوبة فصل الحقيقة عن الوهم فى قصة تاريخ شارلمان التى تنسب إلى توربين، وكتبت فى وقت ما قبل عام ,1150 وهى تصور الشرقيين أو أبناء الصحراء «الوثنيين»، إذ يعبدون محمداً مع «أبوللو» و«تيرفاجانت»، على نحو ما كان متبعاً فى قصص المغامرات وأناشيد البطولات الفرنسية، ومع ذلك ففى خضم هذه الصور تدور مناظرة عقلانية بين رولان وعملاق مسلم يدعى فيراكتوس يتجلى فيها الوعى بأن المسلمين يعبدون الله الواحد الصمد، وفى نحو ذلك الوقت أيضاً كتب المؤرخ أوتو فرايزنج بحثاً ينكر فيه أن المسلمين يعبدون الأصنام.
ومن المعروف أن جميع أبناء الشرق يعبدون الله وحده، ويعترفون بشريعة العهد القديم، وشعيرة الطهارة، بل إنهم لا يهاجمون المسيح ولا الرسل، ولا يقصيهم عن الخلاص إلا شىء واحد، ألا وهو إنكارهم أن المسيح عيسى هو الله أو ابن الله، وتبجيلهم الغاوى محمداً باعتباره نبياً عظيماً للرب الأعلى.؟