برزت علي الساحة المصرية في الآونة الأخيرة العديد من القضايا التي علقت أنظار المواطنين بساحات المحاكم منها قضايا فساد أو سرقة أو رشوة أو قتل متهم فيها أسماء كبيرة وأصحاب النفوذ والمال، وثار جدل كبير حول استقلال القضاء المصري وعدم وقوعه تحت سيطرة النفوذ وتغول السلطة. وهي من أشد الأمور خطورة علي استقرار المجتمع الديمقراطي الذي تسود فيه العدالة والمساواة ويشعر المواطن بالأمن وتمتعه بالحقوق مثل الواجبات وشأنه في ذلك شأن أي مواطن آخر مهما كانت منزلته أو ثروته كل ذلك جعلنا نتوجه إلي رموز القضاء لعلنا نصل إلي لب القضية وكيفية الحفاظ علي استمرار القضاء مستقلاً دون أي تدخلات.
وأكد الفقيه الدستوري ثروت بدوي أن السلطة التنفيذية تستطيع التأثير في القضاء المصري وذلك لأنها تقوم بتعيين وترقية القضاة وتقوم بالضغط علي القضاء من خلال ندبهم إلي أعمال تنفيذية ومن بينهم مساعد وزير العدل الذين يشكلون مئات المستشارين حاليا، مضيفاً أن السلطة التنفيذية مهيمنة علي القضاء من خلال تبعية التفتيش القضائي لوزارة العدل، حيث يملك وزير العدل سلطة الندب والنقل والإعارة مما يفقد القضاء استقلاله، وبالتالي لا يوجد مجال للقول بوجود حقوق أو حريات محمية للمواطنين.
وانتقد المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق النظام الشمولي الحالي الذي تسيطر فيه السلطة التنفيذية علي السلطتين التشريعية والقضائية، وأصبحت السلطة القضائية غير مستقلة في الواقع، حيث تتبع هيئة التفتيش القضائي وزير العدل الذي يقوم بإصدار القرارات الحيوية كتعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم، بالإضافة إلي إدارة الموازنة العامة للقضاء بجانب وزارة المالية ومجلس الوزراء وبالتالي تقرها أغلبية الحزب الحاكم في مجلس الشعب التي تحتكر الجانب التشريعي بجانب مجلس الشوري وبالتالي عدم الاعتراض علي أي مشروع قانون يزيد من تحكم الدولة في الحريات العامة، وتحقيق مصالح الطبقة الثرية الذين يزعمون أنهم رجال أعمال.
وأضاف الجمل أن التشريع أو القوانين لا تصدر لمصلحة غالبية المصريين كما أن رئيس الجمهورية يتحكم في السلطة التشريعية وبالتالي فإن السلطة التشريعية غير مستقلة في مراجعة التشريعات القضائية خاصة الجانب السياسي منها مثل مشروعات قوانين مباشرة الحقوق السياسية.. مشيراً إلي أن مشروع قانون الاحتكار والضرائب العقارية والتعديلات التي أدخلت علي أحكام الدستور عام 2002، وكلها صدرت دون مراجعة وارتباط بالمصالح وحريات المواطنين.
وأكد الجمل أن السلطة التنفيذية تنفذ ما يتفق مع مصالحها وأهوائها من أحكام القضاء ومع مصالح طبقة رجال الأعمال ومراعاة مصالح القوي الخارجية الكبري وفي ذلك تجاهل كبير لحجية الأحكام القضائية وبالتالي عدم استقلال السلطة القضائية كما أن وزير العدل يقوم باختيار رؤساء المحاكم ولا يوجد التزام بالرقم المسلسل للدعاوي وبالتالي إحالة قضايا معينة في دوائر بعينها كما أن النائب العمومي ووكلائه يتبع وزير العدل وهو عضو في الحكومة "السلطة التنفيذية" وقانون الإجراءات الجنائية 1950 فصل بين سلطات الضبط والتحقيق والاتهام وسلطة الحاكم كما هي الحال في معظم الدول الديمقراطية التي تلتزم بسيادة الشرعية ولكن في سنوات ثورة 1952 تم منح النيابة العامة سلطة التحقيق والاتهام معًا وألغي قاضي التحقيق وبرز ذلك في الأزمة الخاصة بالمحامين والقضاة وظهرت الآثار السلبية لعدم انتداب قاض للتحقيق.
أما المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق فقال: هناك تصرفات في بعض القضايا تعطي انطباعًا غير معتاد كأن تكون هناك قضية ولا تستمع المحكمة للدفاع والشهود وهو تصرف خاطئ خاصة أنه يوجد في مصر قضاء استثنائي وقضايا سياسية تتدخل فيها الدولة، مضيفاً أن الدولة تتدخل في القضاء لمصلحتها وأنه استقال من القضاء للأسباب السابقة بالإضافة إلي اختيار قاض معين لقضية معينة.
وأكد المستشار أحمد مكي أن السلطة القضائية لا تكون مستقلة إلا في وجود دولة ديمقراطية والسلطة التشريعية مستمدة من الشعب وتعبر عن إرادته مما يعطيها القوة والقضاء لا يكون عادلاً إلا في دولة عادلة وطالما أن السلطة التنفيذية هي الأعلي فتقوم بالضغط علي السلطتين التشريعية والقضائية من خلال تحجيم الانتخابات البرلمانية والتدخل في النقابات ومنع تكوين الأحزاب التي تعطي الفرد قوة في مواجهة الدولة.
وأضاف مكي أن السلطة التنفيذية توغلت في السلطة القضائية من خلال تبعية التفتيش القضائي لوزارة العدل وبالتالي لا توجد سلطة للجمعيات العمومية فوزير العدل يختار رؤساء المحاكم الابتدائية والذي بدوره يشكل الدوائر ويوزع القضايا وبالتالي تذهب قضية معينة لقاض بعينه أو ندب قاض معين لرئاسة لجنة انتخابية وبالتالي يسيطر القصور مثل انتداب قاض معين لمصلحة حكومية أو منحه مكافأة مالية وغيرها من المظاهر التي تؤثر في استقلال القضاء.
وأشار المستشار هشام جنينة إلي أن مسألة المؤسسات والدولة القانونية ليست شعارًا وإنما تحتاج إلي تطبيق يلمسه المواطن العادي حتي يتأكد ويقتنع بأن القانون يعلو فوق الجميع وهو ينظم حياة المجتمع، وإذا اعتقدت السلطة التنفيذية أنها فوق القانون والأحكام الصادرة عن القضاء فهذا بدوره يؤدي إلي اهتزاز ثقة المجتمع وبالتالي يلجأ المواطن للحصول علي حقه بالقوة مما يزيد من ظواهر العنف والبلطجة داخل المجتمع. وأضاف أن استقلال السلطة القضائية وتمكينها من ممارسة دورها وتنفيذ أحكامها هو الحل الأمثل، مشيرًا إلي أن أي تدخل للسلطة التنفيذية في أعمال القضاء يهز ثقة المجتمع فيه، وأن النائب العام يصدر أوامر ضبط وإحضار للضباط ولا تنفذ وذلك بتعليمات عليا وتوجد أحكام نهائية صادرة عن القضاء العادي أو الإداري لا نلتزم بها الدولة.