روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    رسالة المحاماة‏:‏ المخاطر والضمان‏! بقلم‏ :‏ رجائي عطية

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    رسالة المحاماة‏:‏ المخاطر والضمان‏! بقلم‏ :‏ رجائي عطية Empty رسالة المحاماة‏:‏ المخاطر والضمان‏! بقلم‏ :‏ رجائي عطية

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يوليو 18, 2009 5:37 pm

    لم يخلد فرسان المحاماة إلي الضمانة أو الحصانة التي نصت عليها المادة‏/309‏ من قانون العقوبات‏,‏ ففيها ثغرة يمكن الدلوف إلي المحامين منها‏,‏ فاستعاضوا بأب المحاماة الرفيع‏,‏ وفكرها الراقي‏,‏ ومنطقها الناصع‏,‏ علي إيراد ما يشاءون من حجج وبراهين في موضوعية تقيهم ثأر أو انتقام من يضايقهم منطق الحق‏,‏ ويضيقون بالعدل والانصاف‏!‏

    للمحامين علي مدار تاريخ المحاماة‏,‏ مواقف مبهرة‏,‏ منها ما حفظته المدونات‏,‏ ومنها ما عاش في ذاكرة المحامين‏,‏ يتناقلونه بالرواية جيلا بعد جيل‏..‏ صادف المرحوم الأستاذ مكرم عبيد ــ فيما تتناقله الروايات ــ موقفا بالغ الصعوبة إزاء مدعية إدعت علي موكله أنه إعتدي عليها‏,‏ واغتصبها كرها‏,‏ ومحاذير السقوط في وهدة القذف شديدة وخطيرة إذا انفلت الدفاع إلي إبداء أن الواقعة كانت بكامل إرادتها ورضاها‏,‏ فإطلاق ذلك سوف يعوزه الدليل‏,‏ ولم تكن الواقعة إلا بين اثنين لا ثالث لهما‏,‏ المدعية التي انتصرت النيابة لقولها‏,‏ وحجتها ــ حسب المجري العادي للأمور ــ غالبة‏,‏ لأن بنت حواء لن تنزلق إلي مثل ذلك مع ما يصاحبه من مساس بسمعتها‏,‏ والمتهم الذي لم تسمع النيابة لدفاعه‏,‏ ولم تصدقه‏,‏ وأخذته بقول المدعية‏,‏ وقدمته إلي محكمة الجنايات بهذه التهمة الخطيرة التي يمكن أن تصل عقوبتها إلي الأشغال الشاقة المؤبدة‏!!‏ ماذا يفعل فارس المحاماة مكرم عبيد إزاء هذا الخطر الداهم‏,‏ ومحاذير السقوط في هاوية جريمة القذف إن بني دفاعه بغير دليل علي رضاء المدعية؟‏!‏ هنا تجلت ألمعية وفراسة وبديهة المحامي الفذ‏..‏ فجأ المدعية ومعها هيئة المحكمة بطلب غ
    ريب إستهل به حديثه هو مطالبة المدعية بتعويض ما أتلفته من الفراش بصعودها إليه محتذية حذاءها‏,‏ ومع المفاجأة إنفلت لسان المدعية بالحقيقة‏,‏ فتعجلت قائلة ــ دون أن تتنبه ــ إنها خلعت حذاءها قبل أن تصعد إلي الفراش‏!!‏ كانت سقطة المدعية مدوية‏,‏ وأثرها مفجرا فاضحا لزيف وكذب إدعائها‏!!‏؟؟ كان يسيرا علي الأديب المفوه مكرم عبيد أن ينهي مرافعته بالقرآن‏,‏ وكان علي مسيحيته من الحافظين له كثير الإستشهاد به‏..‏ مضي يروي للمحكمة قصة إمرأة العزيز مع يوسف الصديق‏,‏ حين اتهمته كذبا بأنه أراد بها سوءا‏,‏ وقالت لزوجها العزيز فيما رواه القرآن المجيد‏:‏ واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدي الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم‏.‏ قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين‏.‏ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين‏.‏ فلما رأي قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم‏.‏ يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين‏(‏ يوسف‏25‏ ــ‏29)‏ ومع الجلال الذي شمل الموقف‏,‏ والإنبهار بذكاء وحيلة مكرم‏,‏ صدر حكم البراءة الذي كان في الواقع ثمرة لعظمة المحامي‏!‏

    يقول الكارهون للمحاماة‏,‏ أو المتجنون عليها أو الجاهلون بحقيقة دورها ورسالتها إن المحامي‏:‏ أجير صناعته الكلام‏..‏ يتساوي لديه أن يدافع عن الحق أو الباطل مادام يتلقي أجرا‏!!‏

    ويقول العارفون المنصفون‏,‏ إن المحامي هو حامل الشعلة التي تبدد غياهب الشك‏,‏ وتنير الطريق إلي الحق والعدل والإنصاف‏..‏ الذين يتوقفون عند مدافعة المحامي عن متهم أو متهمين يرونهم أو يراهم المجتمع مذنبين‏,‏ لا يدركون كم من مظالم يهتز لها عرش السموات لو ساء ظن هؤلاء وأدين بريء علي ذنب لم تقترفه يداه‏!!‏

    لو لا حرية وبراعة الدفاع لضاعت الحقيقة‏,‏ وفشي الظلم بين الناس‏,‏ ولولا براعة المحاماة لما استطاع المحامون أن يكسروا حاجز الخوف من أن يساءلوا عن القذف أو إساءة الاعتبار لو ساقوا دفاعهم كما يجب أن يبدي ويقال‏!.‏

    أنظر إلي براعة شيه دي استانج حين وقف يترافع عن زميله فيليكس دي لامارتنيير محامي جريدة لوبوفوار أمام المجلس الوطني‏,‏ وكأنه يفتش عما قاله المتنبي لسيف الدولة‏:‏ يا أعدل الناس إلا في معاملتي‏..‏ فيك الخصام وأنت الخصم والحكم‏..‏ كيف يلقي المحامي بهذا المعني إلي المحكمة دون أن تعدها إهانة أو تطاولا علي مقامها الرفيع‏,‏ فيقع بدوره في وهدة جاء يقيل زميله فيها‏..‏ لقد وقف المحامي الأديب يقول للمحكمة في منطق ناصع وأدب رفيع‏:‏ إنني مطالب بأن أثبت لكم ـ أنتم الذين اعتقدتم أن إهانة لحقت بكم أنتم القضاة والخصوم في هذه الدعوي ـ أن الكاتب حين هاجمكم لم يتجاوز الدفاع المشروع

    في براعة لافتة للمحامي الفرنسي الشهير دورانتو كسر النظام الذي كان معمولا به أمام برلمان باريس‏..‏ هذا النظام الذي يفرض أن الأفوكاتو العمومي‏(‏ المحامي العام‏)‏ هو آخر من يتكلم باعتباره ممثل الملك‏.‏ ولكن مرافعة الأفوكاتو العمومي تضمنت ـ في ذلك اليوم‏!‏ ـ ما يستوجب عدالة أن يعقب عليها الدفاع وإلا اختل السواء والميزان‏,‏ فوقف المحامي دورانتو يريد التعقيب ولكن المحامي العام انطلق بحدة متغطرسة يقول‏:‏ لا يجوز لأحد أن يتكلم بعد ممثل الملك‏!‏

    المحامي الأريب لا تنفد حيله‏,‏ ولا تنضب قريحته‏,‏ ولا ينعقد لسانه‏..‏ وقف لحظتها دورانتو يرد علي الحدة بحدة‏,‏ وعلي المنطق المتغطرس بمنطق العدل والإنصاف‏,‏ فطفق يقول‏:‏ إنما يتكلم بعد ممثل الملك إذا شوه الحقيقة المعروضة للحكم‏.‏ إنما يتكلم بعد رجال الملك إذا أرادوا تحويل قضية مدنية إلي قضية جنائية‏.‏ إنما يترافع بعد ممثلي الملك عندما يحاولون تسوئ سمعة إبن سامحه ابوه‏.‏ لم يتهوب المحامي العجوز أن قول للمحامي العام في أبوة حانية مهذبة‏:‏ أنت لا تزال شابا يا سيدي المحامي العام‏,‏ فاجلس واستمع لما سأقوله‏.‏

    يومها جلس المحامي العام‏,‏ واستمر دورانتو في تعقيبه‏,‏ وانتهت المرافعة ولكن لم تنته التداعيات التي اتخذت من هذه الواقعة معولا ساعد علي سن قاعدة أن المتهم ـ أو المدعي عليه ـ هو آخر من يتكلم‏..‏ هذه القاعدة التي تسود الآن جميع تشريعات المعمورة‏!‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 2:42 pm