من أقوي الضمانات القضائية للخصوم, بعامة, وللمحاماة بخاصة ـ محاضر الجلسات, سواء كانت محاضر لتحقيقات النيابة العامة, أو محاضر لجلسات المحاكمات أمام المحاكم المختلفة.. هذه المحاضر جعلت لتكون مرآة ناقلة وبالنص والحرف واللفظ ـ لما يجري في جلسات التحقيقات أو المحاكمات, وما يبدي فيها من أقوال أو دفوع أو طلبات, وما يجري بالجلسات من سماع شهود أو خبراء أو اتخاذ قرارات أو تصرفات.. إفراغ هذا كله في محضر الجلسة, بتفاصيله ودقائقه, وبلفظه وحرفه ومعناه ينطوي علي ضمانة بالغة الأهمية هذه الضمانة لم يقررها القانون للنيابة أو للقاضي بعامة, وإنما قررها للخصوم ووكلائهم.. فالقاضي متترس باستقلاله وحصانته, ثم هو علي منصته يمارس سلطته. أقصي ما يرجوه القاضي من محضر الجلسة أن يذكره ـ محض تذكير أمين ـ بما حصل ودار, أما الضمانة المستمدة من المحضر فهي للخصوم ووكلائهم الذين تتعلق حقوقهم ـ
بضماناتها ـ بما يثبت أو لا يثبت في المحضر. فالمحضر هو الضمان الوحيد لهم, وهو الدليل القوي الذي منحهم إياه القانون لإثبات ما أبدوه من دفاع, وما سجلوه من طلبات, وما عساه قد وقع عليهم أو في حقهم من مساس أو تجاوز عن حقوقهم التي فرضهما لهم القانون.
فحكمة وعلة وغاية تدوين الإجراءات في محاضر, هي إثبات حصولها كيما يمكن لكل ذي مصلحة أن يحتج بذلك, فضلا عن إثبات كيفية حصولها, كما يمكن التحقق سواء للخصوم أو لجهة الطعن ـ من مدي مطابقتها للواقع والقانون ـ ويعني هذا أن هذه المحاضر تتعلق بها حقوق عديدة بالغة التنوع والأهمية, حق عضو النيابة أو القاضي في الرجوع إليها للتذكرة أو للتساند علي ماهو مسجل فيها, وحق أطراف الخصومة في إثبات ما أبدوه أو سجلوه من دفاع أو طلبات أو ما قد يقع مخالفا للإجراءات, سواء في حقم أو حقوق الأغيار أو حق القانون نفسه في الاحترام الواجب له وتنفيذه وتطبيقه تطبيقا صحيحا يوافق نصه وروحه, ثم حق جهة الطعن في معرفة الحقيقة, سواء كانت نيابة أعلي إذا كان الطعن في تصرف أو قرار نيابة أدني, أم كانت محكمة أعلي, إذا كان الطعن في حكم محكمة أقل درجة أم كان حق الجمهور أو الدارسين في المتابعة أو المراقبة أو الدراسة من خلال محضر افترض القانون أنه عنوان الحقيقة فيما حمله وسجل فيه.
هذه القيمة والأهمية التي لمحاضر جلسات المحاكمات أو التحقيقات, حدت بالمشرع إلي التعامل معها باحترام بالغ يكاد يصل حد القداسة التي تفرض لها حجية قوية يصعب التصادم بها أو الالتفاف حولها أو المساس بقدرها,
فلم يجعل القانون سبيلا لأحد لإثبات عكس أو غير أو خلاف ما دون بها إلا بطريق الطعن عليها بالتزوير, بل بلغت هذه الحماية حد الافتراض الذي يؤمن المحاضر ويقيم لها سياجا عاليا يحميها, فنصت المادة/30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض علي أنه إذا ذكر في الحكم أو محضر الجلسة أن الإجراءات قد اتبعت, فلا يجوز إثبات عدم اتباعها إلا بطريق الطعن بالتزوير فإذا دون مثلا في محضر الجلسة أنه قد تمت تلاوة أقوال الشهود بالتحقيقات, فإنه لا يجوز ـ مهما كان الواقع الحاصل أمام الجميع وعلي رؤوس الاشهاد ـ إثبات أن التلاوة لم تتم إلا بالطعن علي المحضر بالتزوير.. وهذا الطريق بالغ الصعوبة يكاد يصطدم باستحالة مطلقة تكاد ترد علي المشرع قصده الذي تغياه من القداسة التي فرضها لمحاضر الجلسات تأمينا وحماية لحقوق المتخاصمين ودفاعهم.. فهذا هو الأصل والأساس في حكمة وغاية محاضر الجلسات والتحقيقات,
لأن غيرها من الغايات ـ كتذكير المحقق أو القاضي بما حدث, يمكن أن يعتمد فيه علي ملاحظاته الشخصية التي يدونها لنفسه, ولكن هذه الملاحظات ليست في متناول الخصوم, ولا يمكن أن تكون حجة أو ضمانا لهم, وليس يغنيهم في تحقيق الضمان أو الحماية إلا المحاضر التي يدونها كاتب الجلسة الذي أوجب القانون حضوره وأوكل إليه مهمة كتابة كل ما يحدث أو يبدي أو يقال في الجلسة.
معظم الالتباسات التي تحدث في ساحة القضاء بين المنصة وبين المحامين, ترجع إلي اختلاف مفاهيم التعامل في التطبيق مع المحاضر التي لاينازع أحد في أنها تدون تحت إشراف المحقق أو القاضي, بيد أن الإشراف هو اشراف علي التدوين و ليس سلطة علي التدوين ذاته تباشر المنح أو المنع.
والا تبددت وضاعت الغاية من تحرير المحاضر وتاهت الضمانة التي يلوذ بها الحضور وأصحاب الحقوق ووكلاؤهم من المحامين, فاختلاف الرؤي والتوجهات وارد واحتمالات التجاوز لايعز عليها أحد مهما كان مقامه.. فجميع أطراف الخصومة بشر, يرد عليهم مايرد علي كل بشر من خطأ أو صواب وكلاهما ـ ومهما كانت رغاب الآخر ـ واجب الإثبات في المحضر الذي يتعين أن يكون مرآة حقيقية لما يجري, وهذه البديهية لا تجري ميسورة في جميع الأحوال, فقد يضيق عن تدوينها الصدر, ولا يجد صاحب المصلحة مندوحة عن التمسك بالإثبات, وقد يصطدم تمسكه المشروع بإصرار المنصة علي المنع أو المصادرة فتتهدد الضمانة,
ويتعذر وربما استحال إثابت ما صودر عليه, فتضيع الحقوق. هذا المحظور الوارد حصوله قد دعا الدول المتقدمة إلي التسجيل الآلي لما يجري في الجلسات حفاظا علي حقوق الأطراف, لكن ذلك لا يتأتي لكل الدول, فيركن الاعتماد كله علي سواء الميزان في يد القاضي ذاته الذي يعطي الحق من نفسه.. أذكر هذا وأذكر معه موقفا عظيما للمستشار الجليل عاصم الجوهري حينما أحس جفاف عبارة أفلتت منه إلي زميل, فبادر من تلقاء نفسه إلي التنحي ولاستشعاره حرجا دعاه لاستشعاره ضميرا مرهف وعزما صادقا وعدلا يقاس بموازين الذهب!
(للحديث بقية)
بضماناتها ـ بما يثبت أو لا يثبت في المحضر. فالمحضر هو الضمان الوحيد لهم, وهو الدليل القوي الذي منحهم إياه القانون لإثبات ما أبدوه من دفاع, وما سجلوه من طلبات, وما عساه قد وقع عليهم أو في حقهم من مساس أو تجاوز عن حقوقهم التي فرضهما لهم القانون.
فحكمة وعلة وغاية تدوين الإجراءات في محاضر, هي إثبات حصولها كيما يمكن لكل ذي مصلحة أن يحتج بذلك, فضلا عن إثبات كيفية حصولها, كما يمكن التحقق سواء للخصوم أو لجهة الطعن ـ من مدي مطابقتها للواقع والقانون ـ ويعني هذا أن هذه المحاضر تتعلق بها حقوق عديدة بالغة التنوع والأهمية, حق عضو النيابة أو القاضي في الرجوع إليها للتذكرة أو للتساند علي ماهو مسجل فيها, وحق أطراف الخصومة في إثبات ما أبدوه أو سجلوه من دفاع أو طلبات أو ما قد يقع مخالفا للإجراءات, سواء في حقم أو حقوق الأغيار أو حق القانون نفسه في الاحترام الواجب له وتنفيذه وتطبيقه تطبيقا صحيحا يوافق نصه وروحه, ثم حق جهة الطعن في معرفة الحقيقة, سواء كانت نيابة أعلي إذا كان الطعن في تصرف أو قرار نيابة أدني, أم كانت محكمة أعلي, إذا كان الطعن في حكم محكمة أقل درجة أم كان حق الجمهور أو الدارسين في المتابعة أو المراقبة أو الدراسة من خلال محضر افترض القانون أنه عنوان الحقيقة فيما حمله وسجل فيه.
هذه القيمة والأهمية التي لمحاضر جلسات المحاكمات أو التحقيقات, حدت بالمشرع إلي التعامل معها باحترام بالغ يكاد يصل حد القداسة التي تفرض لها حجية قوية يصعب التصادم بها أو الالتفاف حولها أو المساس بقدرها,
فلم يجعل القانون سبيلا لأحد لإثبات عكس أو غير أو خلاف ما دون بها إلا بطريق الطعن عليها بالتزوير, بل بلغت هذه الحماية حد الافتراض الذي يؤمن المحاضر ويقيم لها سياجا عاليا يحميها, فنصت المادة/30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض علي أنه إذا ذكر في الحكم أو محضر الجلسة أن الإجراءات قد اتبعت, فلا يجوز إثبات عدم اتباعها إلا بطريق الطعن بالتزوير فإذا دون مثلا في محضر الجلسة أنه قد تمت تلاوة أقوال الشهود بالتحقيقات, فإنه لا يجوز ـ مهما كان الواقع الحاصل أمام الجميع وعلي رؤوس الاشهاد ـ إثبات أن التلاوة لم تتم إلا بالطعن علي المحضر بالتزوير.. وهذا الطريق بالغ الصعوبة يكاد يصطدم باستحالة مطلقة تكاد ترد علي المشرع قصده الذي تغياه من القداسة التي فرضها لمحاضر الجلسات تأمينا وحماية لحقوق المتخاصمين ودفاعهم.. فهذا هو الأصل والأساس في حكمة وغاية محاضر الجلسات والتحقيقات,
لأن غيرها من الغايات ـ كتذكير المحقق أو القاضي بما حدث, يمكن أن يعتمد فيه علي ملاحظاته الشخصية التي يدونها لنفسه, ولكن هذه الملاحظات ليست في متناول الخصوم, ولا يمكن أن تكون حجة أو ضمانا لهم, وليس يغنيهم في تحقيق الضمان أو الحماية إلا المحاضر التي يدونها كاتب الجلسة الذي أوجب القانون حضوره وأوكل إليه مهمة كتابة كل ما يحدث أو يبدي أو يقال في الجلسة.
معظم الالتباسات التي تحدث في ساحة القضاء بين المنصة وبين المحامين, ترجع إلي اختلاف مفاهيم التعامل في التطبيق مع المحاضر التي لاينازع أحد في أنها تدون تحت إشراف المحقق أو القاضي, بيد أن الإشراف هو اشراف علي التدوين و ليس سلطة علي التدوين ذاته تباشر المنح أو المنع.
والا تبددت وضاعت الغاية من تحرير المحاضر وتاهت الضمانة التي يلوذ بها الحضور وأصحاب الحقوق ووكلاؤهم من المحامين, فاختلاف الرؤي والتوجهات وارد واحتمالات التجاوز لايعز عليها أحد مهما كان مقامه.. فجميع أطراف الخصومة بشر, يرد عليهم مايرد علي كل بشر من خطأ أو صواب وكلاهما ـ ومهما كانت رغاب الآخر ـ واجب الإثبات في المحضر الذي يتعين أن يكون مرآة حقيقية لما يجري, وهذه البديهية لا تجري ميسورة في جميع الأحوال, فقد يضيق عن تدوينها الصدر, ولا يجد صاحب المصلحة مندوحة عن التمسك بالإثبات, وقد يصطدم تمسكه المشروع بإصرار المنصة علي المنع أو المصادرة فتتهدد الضمانة,
ويتعذر وربما استحال إثابت ما صودر عليه, فتضيع الحقوق. هذا المحظور الوارد حصوله قد دعا الدول المتقدمة إلي التسجيل الآلي لما يجري في الجلسات حفاظا علي حقوق الأطراف, لكن ذلك لا يتأتي لكل الدول, فيركن الاعتماد كله علي سواء الميزان في يد القاضي ذاته الذي يعطي الحق من نفسه.. أذكر هذا وأذكر معه موقفا عظيما للمستشار الجليل عاصم الجوهري حينما أحس جفاف عبارة أفلتت منه إلي زميل, فبادر من تلقاء نفسه إلي التنحي ولاستشعاره حرجا دعاه لاستشعاره ضميرا مرهف وعزما صادقا وعدلا يقاس بموازين الذهب!
(للحديث بقية)