تضافرت تشريعات عديدة في سعيها لتوفير الضمانة الواجبة للمحامين, حتي يستطيعوا أن يؤدوا رسالتهم في أمان, ويسهموا في ارساء العدالة علي موازينها الصحيحة... هذه الضمانة ليست محاباة لمهنة دون مهنة, وانما هي ضرورة لا محيص عنها, وهي رعاية وحماية للعدالة ذاتها..
ومع ذلك فإن الباحث عن الضمانات المقررة في القانون للمحاماة, مضطر للبحث والتفتيش في كثير من المدونات التشريعية لجمع ما تفرق في هذه التشريعات المختلفة.. هذا التفرق أو الشتات يوري بأن المشرع لم يصدر في هذه القضية الخطيرة عن نظرة كلية شاملة, وانما صدرت النصوص فرادي, وبعضها ربما صدر في ولادة عسرة لان الوعي بقيمة واثر المحاماة علي العدالة ذاتها لم يصل بعد الي النضج الكافي, وربما قاومته عقول قصيرة النظر تحسب الأمر محض مكاسب تعطي لفئة فيغلب من ثم علي هذا النظر القصير منطق المنح دون ان يعي أو يدرك الأخطار الهائلة التي تحيط بالعدالة اذا ما افتقد المحامي سياجا يحميه لينهض برسالته ويؤدي امانته الثقيلة بلا وجل ولا خوف!
في تاريخ طويل بدأه الأسلاف, حملت قوانين المحاماة المتعاقبة ما يلفت الانتباه الي ما توجبه مساهمة المحاماة في تحقيق العدالة, وأورد نص المادة(1) من قانون المحاماة الحالي1983/17 ـ ان المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة, وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم, واوردت ذات المادة, ان مهنة المحاماة يمارسها المحامون وحدهم في استقلال لا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم وأحكام القانون.
فماذا أوردت المدونة التشريعية المصرية ضمانا لذلك؟!
نصت المادة/49 من قانون المحاماة الحالي1983/17 علي أن يعامل المحامي من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة.
وهذا الاحترام الواجب, لا يصل الي غايته ما لم تتضافر معه حماية تسبغ علي المحامي حال قيامه بواجبه وأمانته, فلا جدوي من ترك واجب الاحترام للآخرين يبذلونه متي شاءوا أو يضنون به متي ارادوا.. يزيد هذه المخاطر احتمالا, ان المحامي يتعامل مع سلطات درج شاغلوها علي ممارسة السلطة بما تعطيه هذه الممارسة من اعتياد الخلود والارتياح إليها وحب ممارستها, بما قد يؤدي الي تجاوزات ينبغي أن يؤمن المحامي من غائلتها اذا تجاوزت أو اشتطت!
لذلك نصت الفقرة الثانية من المادة/49 سالفة الذكر, علي أنه واستثناء من الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها المنصوص عليها في قانون المرافعات والاجراءات الجنائية اذا وقع من المحامي في اثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه اخلال بنظام الجلسة أو أي أمر يستدعي محاسبته نقابيا أو جنائيا, يأمر رئيس الجلسة بتحرير مذكرة بما حدث ويحيلها الي النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك.
فلا تجيز هذه المادة ـ ونقلتها بنصها المادة/49 من تعليمات النيابة العامة( الكتاب الأول) ـ لا تجيز للقاضي أن يعامل المحامي الحاضر أمامه بما قد تعامل به جرائم الجلسات, وكل ما له هو أن يحرر مذكرة تحال الي النيابة العامة مع اخطار نقابة المحامين الفرعية بذلك.
ويقتضينا الإنصاف أن نشير الي أن قانون الاجراءات الجنائية رقم1950/150 لم يهمل هذه الحصانة, فبعد أن تحدثت المادتان243 و244 عن جرائم الجلسات والسلطات المعطاة للمحاكم فيها برفع الدعوي والحكم فيها فورا في الجلسة, استثناء من مبدأ عدم جواز الجمع بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم, اوردت المادة/245 من ذلك القانون انه: استثناء من الأحكام المنصوص عليها في المادتين السابقتين اذا وقع من المحامي في اثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشا مخلا بالنظام, أو ما يستدعي مؤاخذته جنائيا يحرر رئيس الجلسة محضرا بما حدث, وللمحكمة أن تقرر احالة المحامي الي النيابة العامة لاجراء التحقيق اذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته جنائيا والي رئيس المحكمة اذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبيا, وفي الحالتين لا يجوز ان يكون رئيس الجلسة التي وقع فيها الحادث أو أحد اعضائها عضوا في الهيئة التي تنظر الدعوي.
وتأمينا للمحامي من أي جنوح في معاملته, نصت المادة/50 من قانون المحاماة علي أنه: في الحالات المبينة بالمادة السابقة( المادة49 محاماة) لا يجوز القبض علي المحامي أو حبسه احتياطيا, ولا ترفع الدعوي الجنائية فيها إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول.
بهذه النصوص أخرج المشرع ما عساه يصدر من المحامي مخالفا لقانون وتقاليد المحاماة أو المدونة الجنائية ـ من عداد الاختصاص المقرر للمحاكم في جرائم الجلسات.
وجوهر هذا الاستثناء الذي قرره الشارع في شأن جرائم الجلسة, التي قد تقع أو تنسب الي محام ـ أنه لم يخول المحكمة سلطة التحقيق أو الحكم فيها, وانما قصر سلطتها علي مجرد الاحالة الي النيابة العامة لاجراء التحقيق, فلا يجوز للمحكمة أن تحقق مع المحامي الحاضر أمامها أو تتخذ ازاءه أي اجراء من الاجراءات التحفظية, وغاية هذا واضحة هي توفير مظلة الأمان الواجب للمحامي وهو ينهض برسالته بالجلسة, ومع ذلك فإنه رغم وضوح وصراحة النصوص لاتزال بعض النفوس قاصرة عن بلوغ الغاية واعطاء هذه النصوص حقها الواجب من الاحترام والإعمال, فتنفجر من وقت لآخر تصرفات شاردة تخلخل العدالة ذاتها وتصيب الأداء في محرابها بما يستوجب أن تقرن القاعدة التي أوردتها النصوص بجزاء واجب الإعمال علي مخالفتها.
[للحديث بقية]
ومع ذلك فإن الباحث عن الضمانات المقررة في القانون للمحاماة, مضطر للبحث والتفتيش في كثير من المدونات التشريعية لجمع ما تفرق في هذه التشريعات المختلفة.. هذا التفرق أو الشتات يوري بأن المشرع لم يصدر في هذه القضية الخطيرة عن نظرة كلية شاملة, وانما صدرت النصوص فرادي, وبعضها ربما صدر في ولادة عسرة لان الوعي بقيمة واثر المحاماة علي العدالة ذاتها لم يصل بعد الي النضج الكافي, وربما قاومته عقول قصيرة النظر تحسب الأمر محض مكاسب تعطي لفئة فيغلب من ثم علي هذا النظر القصير منطق المنح دون ان يعي أو يدرك الأخطار الهائلة التي تحيط بالعدالة اذا ما افتقد المحامي سياجا يحميه لينهض برسالته ويؤدي امانته الثقيلة بلا وجل ولا خوف!
في تاريخ طويل بدأه الأسلاف, حملت قوانين المحاماة المتعاقبة ما يلفت الانتباه الي ما توجبه مساهمة المحاماة في تحقيق العدالة, وأورد نص المادة(1) من قانون المحاماة الحالي1983/17 ـ ان المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة, وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم, واوردت ذات المادة, ان مهنة المحاماة يمارسها المحامون وحدهم في استقلال لا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم وأحكام القانون.
فماذا أوردت المدونة التشريعية المصرية ضمانا لذلك؟!
نصت المادة/49 من قانون المحاماة الحالي1983/17 علي أن يعامل المحامي من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة.
وهذا الاحترام الواجب, لا يصل الي غايته ما لم تتضافر معه حماية تسبغ علي المحامي حال قيامه بواجبه وأمانته, فلا جدوي من ترك واجب الاحترام للآخرين يبذلونه متي شاءوا أو يضنون به متي ارادوا.. يزيد هذه المخاطر احتمالا, ان المحامي يتعامل مع سلطات درج شاغلوها علي ممارسة السلطة بما تعطيه هذه الممارسة من اعتياد الخلود والارتياح إليها وحب ممارستها, بما قد يؤدي الي تجاوزات ينبغي أن يؤمن المحامي من غائلتها اذا تجاوزت أو اشتطت!
لذلك نصت الفقرة الثانية من المادة/49 سالفة الذكر, علي أنه واستثناء من الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها المنصوص عليها في قانون المرافعات والاجراءات الجنائية اذا وقع من المحامي في اثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه اخلال بنظام الجلسة أو أي أمر يستدعي محاسبته نقابيا أو جنائيا, يأمر رئيس الجلسة بتحرير مذكرة بما حدث ويحيلها الي النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك.
فلا تجيز هذه المادة ـ ونقلتها بنصها المادة/49 من تعليمات النيابة العامة( الكتاب الأول) ـ لا تجيز للقاضي أن يعامل المحامي الحاضر أمامه بما قد تعامل به جرائم الجلسات, وكل ما له هو أن يحرر مذكرة تحال الي النيابة العامة مع اخطار نقابة المحامين الفرعية بذلك.
ويقتضينا الإنصاف أن نشير الي أن قانون الاجراءات الجنائية رقم1950/150 لم يهمل هذه الحصانة, فبعد أن تحدثت المادتان243 و244 عن جرائم الجلسات والسلطات المعطاة للمحاكم فيها برفع الدعوي والحكم فيها فورا في الجلسة, استثناء من مبدأ عدم جواز الجمع بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم, اوردت المادة/245 من ذلك القانون انه: استثناء من الأحكام المنصوص عليها في المادتين السابقتين اذا وقع من المحامي في اثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشا مخلا بالنظام, أو ما يستدعي مؤاخذته جنائيا يحرر رئيس الجلسة محضرا بما حدث, وللمحكمة أن تقرر احالة المحامي الي النيابة العامة لاجراء التحقيق اذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته جنائيا والي رئيس المحكمة اذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبيا, وفي الحالتين لا يجوز ان يكون رئيس الجلسة التي وقع فيها الحادث أو أحد اعضائها عضوا في الهيئة التي تنظر الدعوي.
وتأمينا للمحامي من أي جنوح في معاملته, نصت المادة/50 من قانون المحاماة علي أنه: في الحالات المبينة بالمادة السابقة( المادة49 محاماة) لا يجوز القبض علي المحامي أو حبسه احتياطيا, ولا ترفع الدعوي الجنائية فيها إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول.
بهذه النصوص أخرج المشرع ما عساه يصدر من المحامي مخالفا لقانون وتقاليد المحاماة أو المدونة الجنائية ـ من عداد الاختصاص المقرر للمحاكم في جرائم الجلسات.
وجوهر هذا الاستثناء الذي قرره الشارع في شأن جرائم الجلسة, التي قد تقع أو تنسب الي محام ـ أنه لم يخول المحكمة سلطة التحقيق أو الحكم فيها, وانما قصر سلطتها علي مجرد الاحالة الي النيابة العامة لاجراء التحقيق, فلا يجوز للمحكمة أن تحقق مع المحامي الحاضر أمامها أو تتخذ ازاءه أي اجراء من الاجراءات التحفظية, وغاية هذا واضحة هي توفير مظلة الأمان الواجب للمحامي وهو ينهض برسالته بالجلسة, ومع ذلك فإنه رغم وضوح وصراحة النصوص لاتزال بعض النفوس قاصرة عن بلوغ الغاية واعطاء هذه النصوص حقها الواجب من الاحترام والإعمال, فتنفجر من وقت لآخر تصرفات شاردة تخلخل العدالة ذاتها وتصيب الأداء في محرابها بما يستوجب أن تقرن القاعدة التي أوردتها النصوص بجزاء واجب الإعمال علي مخالفتها.
[للحديث بقية]