رب سائل يسأل, لماذا المحاماة والقاضي مؤهل بذات المؤهل الذي يحمله المحامي, ثم هو محايد جامع بحكم طبيعة عمله ومايمر عليه كل يوم لخبرات عديدة متنوعة, يصادفها وتصادفه منذ يبدأ عمله من أول السلم القضائي.
وتضيف إليه كل يوم جديدا يتنوع بتنوع الحياة والمشاكل والأقضيات,
وبتنوع المواقع التي يتقلب عليها بين النيابة والقضاء, وما يعرض فيها من منازعات لاتقع بمتغيراتها تحت حصر, ثم إن القاضي ممسك بالميزان لاينحاز إلي خصم ولا يمالي أحدا أو يميل إلي غير الحق والعدل الذي ينشده في تجرد وحياد تام دون مأرب أو غرض أو هوي! هذه الحقائق لاتغني عن المحاماة, ولا يغني عنها انصراف القاضي التام إلي عمله, وأخلاصه فيه, وسعة صدره في الاستماع إلي حجج وبراهين وطلبات الخصوم, ذلك أن المحاماة لاتنبع الحاجة إليها من تشكك أو افتراض لعدم اكتمال منظومة عدل القاضي وحياده وسعة صدره, فذات هذه المفترضات توجب المحاماة ولاتستغني عنها, فالقاضي بمبدأ الحيدة محكوم مقيد بحدود لايجيز القانون له أن يتخطاها وإلا فقد الصلاحية لنظر الدعوي, فهو لايقضي بعلمه, بل يتوجب عليه التنحي عن نظر الدعوي إن سبق إلي علمه ما يتصل بها إيجابا أو سلبا, والقاضي مقيد بإطار الخصومة المعروضة عليه, ليس متاحا له أن يعرف ما قد يدور حولها وفيها مما ليس معروضا عليه, وغير متاح له أن يتجاوز المعروض للتنقيب والبحث وسبر وكشف أغوار ما هو مطروح أمامه, وإنما هو إلي منصته يمسك بالميزان وقد يتحرج ـ توكيدا لحياده ـ من أن يفتش عما عساه يكون محجوبا وراء الأستار, أو أن يتدارك قصور خصم في بيان حجته ودليلها رغم أنه صاحب حق قد يستشعره القاضي ولكنه لايملك أن يحل نفسه محله إتباعا لمبدأ الحياد والمساواة في مجلس قضائه, وقد يحول زحام القضايا دون الالتفات إلي الفروع والجذور والأعماق وما يستوجبه من بحث وتنقيب وتفتيش وتحقيق! لزوم المحاماة ينبع ـ فضلا عن شجرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ من أن المحامي محلق متخفف مما يتقيد به القاضي, فعلم المحامي ـ حتي بدقائق وخلفيات النزاع ـ هو زاد المحامي وسند وجوب المحاماة, وليس داعيا لعدم الصلاحية الذي يعرض للقاضي إن كان عالما بما هو معروض عليه..
من هذا الزاد يغترف المحامي ليضفره مع منظومة علمه وثقافته ومعارفه وموهبته وقدرته الاقناعية وليجدل من هذا كله ما يجلي الحقيقة إلي القاضي ويعينه علي بلوغ غايته, كذلك فإن المحامي يتاح له بحكم عكوفه علي قضية واحدة ـ وليس مئات القضايا! ـ أن يتفرغ تفرغ عبادة إلي واقع القضية وخلفياتها وجذورها وأعماقها ووقائعها ودوافعها وبيناتها وشهودها وأهواء ومشارب أصحاب الكلمة فيها ـ شهادة أو خبرة ـ ليكشف للقاضي المقاصد والنوايا, والأغراض والأهواء.. لا يستطيع القاضي بموقف الحياد الذي يلتزمه أن يحل نفسه محل الخصم ليرتب له دفاعه أو يصنف ما من مصلحته إبداؤه أو حجبه أو إغفاله, فتقارع الحقوق أو المواقف في ساحة العدالة يوجب علي كل طرف في الخصومة أن يرتب دفاعه بما يجلي حقه, وأن يتلافي ما قد يستغله خصمه لطمس الحقائق أو التشويش عليها, من أجل ذلك كان حق الصمت من وسائل دفاع المتهم, دون أن يحسب قرينة علي ضعف موقفه, وكان تعليق إستجواب المتهم أمام المحكمة رهينا بموافقته وموافقة محاميه, لأنه الأقدر علي حساب مصلحته في معترك التقاضي وهجوم الأطراف الأخري التي قد تتحين الفرصة لتمسك بمهنة أو أخري قد لا يدرك الاصيل كنهها او احتمالاتها وذلك كله وغيره مما يدور في فلك الخصومة لايملكه القاضي ولا يبيح لنفسه أو يبيح له القانون أن يحل نفسه محل هذا أو ذاك من أطراف الخصومة أو ينوب عنه في تستيف وعرض دفاعه, ففضلا عن أن هذه النيابة غير قائمة, فإن الفضالة فيها ربما تأتي بنقيض مقصودها فتضر ولاتنفع, ثم هي تفقد القاضي الحياد الذي يلتزم به وربما ساقت دون أن يقصد إلي زعزعة طمأنينة الطرف الآخر إلي حياده أو دعت إلي الظن في ميله! وهنا تتجلي رسالة المحاماة التي تتحرك بغير حواجز أو حوائل, وتستخرج كنوز الحقيقة وتبسطها واضحة جلية فتساعد علي أرساء العدل.. هذا السعي المتاح للمحامي المحلق ـ إذا إستقام قصده وعمله ـ لايتاح للقاضي ولايملك ظروفه أو أدواته! فليس في مكنة القاضي أن ينقب حول كل شاهد ليتعرف علي عدالة ومعادن وخلفيات الشهود ليستوثق من أنهم يصدق عليهم ما أمر به القرآن المجيد: وأشهدوا ذوي عدل منكم( الطلاق/2).. المحامي المحلق يستطيع أن يجمع المعلومات الصحيحة وأن ينشدها في مظانها, ومن أي موطن يريد, وأن يلملم أطرافها ليقدمها إلي قاضي الدعوي لتنير له طريقه, والمحامي يعوض بعلمه ومعارفه وخبرته ـ قصور الأصيل الموكل الذي قد لاتتيح له معارفه أو وقته وشواغله الالمام بجوانب النزاع, والامساك بدقائقه وبراهينه وأدواته ـ وكلها عوالم مفتوحة لعلم المحامي وخبرته, ومفتوحة لموهبته وحجته وقدرته علي الاقناع من واقع هذا كله بما يتغياه!
هذه القدرة والأستاذية هي أساس مشروعية ولزوم ووجوب المحاماة, فهي علة لجوء الأصيل إلي المحامي الوكيل, ولو استطاع أن يحل محله ما وكله! فلايستوي الناس في مثل هذه القدرات.. يقول القرآن المجيد: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لايقدر علي شيء وهو كل علي مولاه أينما يوجهه لايأت بخير هلي يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو علي صراط مستقيم( النحل/76) هذه القدرة هي أيضا حكمة دور المحاماة أمام القضاء, فلم تفرض التشريعات دور المحاماة ترفا ولاعبثا, وإنما صدرت في ذلك عن إقتناع موضوعي بأن المحاماة تضيف وتكشف وتضيء, وأن هذه الاضافة والكشف والاثارة لا تتأتي إلا لذوي الكفاية والقدرة والأستاذية, ويفقد المحامي سند رسالته حين يفرط في هذا المعني أو يقعد عن جمع العلم والمعارف والخبرات التي تجعله أستاذا بحق قادرا بأستاذيته علي هذه الاثارة والاضافة! للحديث بقية
وتضيف إليه كل يوم جديدا يتنوع بتنوع الحياة والمشاكل والأقضيات,
وبتنوع المواقع التي يتقلب عليها بين النيابة والقضاء, وما يعرض فيها من منازعات لاتقع بمتغيراتها تحت حصر, ثم إن القاضي ممسك بالميزان لاينحاز إلي خصم ولا يمالي أحدا أو يميل إلي غير الحق والعدل الذي ينشده في تجرد وحياد تام دون مأرب أو غرض أو هوي! هذه الحقائق لاتغني عن المحاماة, ولا يغني عنها انصراف القاضي التام إلي عمله, وأخلاصه فيه, وسعة صدره في الاستماع إلي حجج وبراهين وطلبات الخصوم, ذلك أن المحاماة لاتنبع الحاجة إليها من تشكك أو افتراض لعدم اكتمال منظومة عدل القاضي وحياده وسعة صدره, فذات هذه المفترضات توجب المحاماة ولاتستغني عنها, فالقاضي بمبدأ الحيدة محكوم مقيد بحدود لايجيز القانون له أن يتخطاها وإلا فقد الصلاحية لنظر الدعوي, فهو لايقضي بعلمه, بل يتوجب عليه التنحي عن نظر الدعوي إن سبق إلي علمه ما يتصل بها إيجابا أو سلبا, والقاضي مقيد بإطار الخصومة المعروضة عليه, ليس متاحا له أن يعرف ما قد يدور حولها وفيها مما ليس معروضا عليه, وغير متاح له أن يتجاوز المعروض للتنقيب والبحث وسبر وكشف أغوار ما هو مطروح أمامه, وإنما هو إلي منصته يمسك بالميزان وقد يتحرج ـ توكيدا لحياده ـ من أن يفتش عما عساه يكون محجوبا وراء الأستار, أو أن يتدارك قصور خصم في بيان حجته ودليلها رغم أنه صاحب حق قد يستشعره القاضي ولكنه لايملك أن يحل نفسه محله إتباعا لمبدأ الحياد والمساواة في مجلس قضائه, وقد يحول زحام القضايا دون الالتفات إلي الفروع والجذور والأعماق وما يستوجبه من بحث وتنقيب وتفتيش وتحقيق! لزوم المحاماة ينبع ـ فضلا عن شجرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ من أن المحامي محلق متخفف مما يتقيد به القاضي, فعلم المحامي ـ حتي بدقائق وخلفيات النزاع ـ هو زاد المحامي وسند وجوب المحاماة, وليس داعيا لعدم الصلاحية الذي يعرض للقاضي إن كان عالما بما هو معروض عليه..
من هذا الزاد يغترف المحامي ليضفره مع منظومة علمه وثقافته ومعارفه وموهبته وقدرته الاقناعية وليجدل من هذا كله ما يجلي الحقيقة إلي القاضي ويعينه علي بلوغ غايته, كذلك فإن المحامي يتاح له بحكم عكوفه علي قضية واحدة ـ وليس مئات القضايا! ـ أن يتفرغ تفرغ عبادة إلي واقع القضية وخلفياتها وجذورها وأعماقها ووقائعها ودوافعها وبيناتها وشهودها وأهواء ومشارب أصحاب الكلمة فيها ـ شهادة أو خبرة ـ ليكشف للقاضي المقاصد والنوايا, والأغراض والأهواء.. لا يستطيع القاضي بموقف الحياد الذي يلتزمه أن يحل نفسه محل الخصم ليرتب له دفاعه أو يصنف ما من مصلحته إبداؤه أو حجبه أو إغفاله, فتقارع الحقوق أو المواقف في ساحة العدالة يوجب علي كل طرف في الخصومة أن يرتب دفاعه بما يجلي حقه, وأن يتلافي ما قد يستغله خصمه لطمس الحقائق أو التشويش عليها, من أجل ذلك كان حق الصمت من وسائل دفاع المتهم, دون أن يحسب قرينة علي ضعف موقفه, وكان تعليق إستجواب المتهم أمام المحكمة رهينا بموافقته وموافقة محاميه, لأنه الأقدر علي حساب مصلحته في معترك التقاضي وهجوم الأطراف الأخري التي قد تتحين الفرصة لتمسك بمهنة أو أخري قد لا يدرك الاصيل كنهها او احتمالاتها وذلك كله وغيره مما يدور في فلك الخصومة لايملكه القاضي ولا يبيح لنفسه أو يبيح له القانون أن يحل نفسه محل هذا أو ذاك من أطراف الخصومة أو ينوب عنه في تستيف وعرض دفاعه, ففضلا عن أن هذه النيابة غير قائمة, فإن الفضالة فيها ربما تأتي بنقيض مقصودها فتضر ولاتنفع, ثم هي تفقد القاضي الحياد الذي يلتزم به وربما ساقت دون أن يقصد إلي زعزعة طمأنينة الطرف الآخر إلي حياده أو دعت إلي الظن في ميله! وهنا تتجلي رسالة المحاماة التي تتحرك بغير حواجز أو حوائل, وتستخرج كنوز الحقيقة وتبسطها واضحة جلية فتساعد علي أرساء العدل.. هذا السعي المتاح للمحامي المحلق ـ إذا إستقام قصده وعمله ـ لايتاح للقاضي ولايملك ظروفه أو أدواته! فليس في مكنة القاضي أن ينقب حول كل شاهد ليتعرف علي عدالة ومعادن وخلفيات الشهود ليستوثق من أنهم يصدق عليهم ما أمر به القرآن المجيد: وأشهدوا ذوي عدل منكم( الطلاق/2).. المحامي المحلق يستطيع أن يجمع المعلومات الصحيحة وأن ينشدها في مظانها, ومن أي موطن يريد, وأن يلملم أطرافها ليقدمها إلي قاضي الدعوي لتنير له طريقه, والمحامي يعوض بعلمه ومعارفه وخبرته ـ قصور الأصيل الموكل الذي قد لاتتيح له معارفه أو وقته وشواغله الالمام بجوانب النزاع, والامساك بدقائقه وبراهينه وأدواته ـ وكلها عوالم مفتوحة لعلم المحامي وخبرته, ومفتوحة لموهبته وحجته وقدرته علي الاقناع من واقع هذا كله بما يتغياه!
هذه القدرة والأستاذية هي أساس مشروعية ولزوم ووجوب المحاماة, فهي علة لجوء الأصيل إلي المحامي الوكيل, ولو استطاع أن يحل محله ما وكله! فلايستوي الناس في مثل هذه القدرات.. يقول القرآن المجيد: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لايقدر علي شيء وهو كل علي مولاه أينما يوجهه لايأت بخير هلي يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو علي صراط مستقيم( النحل/76) هذه القدرة هي أيضا حكمة دور المحاماة أمام القضاء, فلم تفرض التشريعات دور المحاماة ترفا ولاعبثا, وإنما صدرت في ذلك عن إقتناع موضوعي بأن المحاماة تضيف وتكشف وتضيء, وأن هذه الاضافة والكشف والاثارة لا تتأتي إلا لذوي الكفاية والقدرة والأستاذية, ويفقد المحامي سند رسالته حين يفرط في هذا المعني أو يقعد عن جمع العلم والمعارف والخبرات التي تجعله أستاذا بحق قادرا بأستاذيته علي هذه الاثارة والاضافة! للحديث بقية